ينتمي الفنان ماجد أفيوني الى الجيل الفني الذي رافق الحركة التمثيلية في لبنان منذ بداياتها. وهو واحد من قلة من هذا الرعيل الذي لم تنقطع مسيرته يوماً ولم يغب لحظة عن الانتاج المحلي اللبناني في المسرح والتلفزيون والسينما وفي نشاطات تمثيلية اخرى. وكانت له شخصيات وأدوار غنية ومتنوعة على قدر اعماله وتجاربه من الاعمال الشعبية الى الكلاسيكية، وحفظته الناس في شخصيات عدة كان لحضورها تمايز ملفت وجميل. "الحياة" التقت ماجد أفيوني وكان هذا الحوار: ثمة ممثلون نجوميتهم موقتة وثمة الذين لا يصنفون على انهم نجوم لكن وجودهم لا يغيب وأساسي في كل عمل. ما هو تعليقك؟ - في الاساس ان اطلاق لقب نجم على الممثل وكوكب على الممثلة مأخوذ من السماء ومن الابراج، وحسب معلوماتي فإن النجوم والكواكب لها ايضاً عمر معين وتخبو بعد اشعاع طويل. وقال العرب في المآسي: قد غاب نجمي ولم يعد لنجمي من طلوع. اذاً الصفة موافقة للموصوف. وكما قلت، نعم ثمة نجم يخبو ونجم يبتلعه التنين الفضائي وثمة نجم، وان قلت مشكوراً ومجاملة انه لا يخبو، وان كان لمعانه في بداية مسيرته غير ساطع، لكن الضوء الخفيف الخافت لا يوصل الى الابداع. لنعترف بأن الشرق العربي بمجمله ما وجد به النجم ولا الكوكب. فما رأيت يوماً طوال عمري الذي جاوز الستين ثوباً على قياس نجم او كوكب، اي لم يكن الاطار مناسباً للصورة بل كان كبيراً والصورة اصغر فتحصل "الكشكشة" واما تكون الصورة كبيرة والاطار صغيراً فتحصل "البشبشة". المسرح هذا الوافد الغريب الذي لم يتجذر، وأنت تعرف ان كل شيء لا يتمتع بجذور لا ينبت. والسبب، اقوله بصراحة بعدما قاربت على اعتكاف مهنة التمثيل لضيق ذات المكان، ولضيق عين الدولة، يعود للدين. فالاديان السماوية الثلاثة التي تدعو الى التوحيد تصطدم بالنصوص الوافدة من الاغريق واليونان لتعدد الآلهة. والموحدون ينفون نفياً باتاً تصنيف صفة الاله. وهنا وقع السد العالي ما بين النص الادبي الوافد وبين ارض الموحدين في الشرق مصدر الديانات الثلاثة. لذلك نرى ان الكمال في جوهر الاديان هو لله وحده. وان اخذنا الفن بكل نواحيه، ان غناء او رسماً او تمثيلاً، نرى انه تصاعد للجمال كما وصفه أفلاطون. والجمال الكامل هو الاله. لذلك لا ارى مستقبلاً للمسرح في الشرق العربي وفي لبنان. انا لا اريد له انكساراً او اندحاراً، لكنني أراه يتقوقع وينطوي على نفسه. يجب على الانظمة العربية ان تأخذ بشيء من الجدية كل الامور الفنية، المسرح والموسيقى وكل ما له علاقة بالجمال، ويتم تدريسها في المناهج المدرسية، وبالتالي كما يكبر الولد مع الحساب والعلوم ينضج ويتعلم الفنون كافة وبينها المسرح. عندما يكبر الممثل في العمل يعيش في عزلة وهذا الامر حصل مع العديد من الفنانين اللبنانيين! - شباك التذاكر مرض عضال، وهذا يعود الى حالة نفسية لدى المشاهد الذي يدفع ثمن البطاقة ويريد في المقابل مشاهدة ما يتمناه لدى نجمه. لكن في الغرب ثمة ممثلين كبارا في السن استمروا نجوماً للشباك مثل الراحلين برت لانكستر وشارلي شابلن وآخرين. خضت غمار التمثيل في اعمال شعبية وكلاسيكية وفي مختلف الاشكال الفنية، كيف تقوّم هذه التجربة المتنوعة؟ - في اعتقادي ليس هناك مسرح شعبي ومسرح كلاسيكي او مسرح للهو. انما هناك مذهب مسرحي معين. كل الاعمال هي مسرحية، من الحكواتي الى الأشكال كافة. الممثل الناجح يستطيع ان يخالف سنن الطبيعة ويدخل الى جسده روحين وأكثر عندما يمثل. اما ذاك الذي لا يتمتع الا بروح واحدة فهو نمطي. نعم مثلت ادواراً مختلفة وتقمصت شخصيات عدة، ولا ازال اعدد وألوّن شخصياتي وأدواري كي لا اكرر نفسي، وأقع في النمطية. هل من ادوار وشخصيات فضلتها على غيرها خلال مسيرتك الفنية؟ - لا احب الوعظ ولا الشعارات. انا اتعامل مع الواقع. انا احب المسرح، وأحب عملي أكثر اذا وجدت تأثراً على وجه وحركة يد او من اي مفصل من مفاصل الجسم وأفضلها على مليون مجلد يكتب عني. وطالما ان رغيفي منوط بعملي الفني فأنا عاجز عن الجواب. عندما يكون خبزي مؤمناً استطيع ان احب هذا الدور وأفضل ذاك وأنحاز الى تلك الشخصية. لست في موقع الخيار طالما انا في هذا الموقع. في معرض الحديث قلت انك على مشارف الاعتكاف، لماذا؟ - نعم، افكر بالاعتكاف. البعض يظن بأنها مسألة مرة اما انا فأقول ان قرار الاعتكاف وطعمه مثل الخبز ومتى كان الخبز مراً في فمي؟ اصحاب القول بالمرارة تكون افواههم مرة. انا افكر بالاعتكاف ضناً بذاتي لأن ما يصوره عقلي من موقف فني اراه مقصراً عند الاداء فأقع في الندامة، وأقول ليتني ما فعلت هذا. والندم أليم. ما معنى الندم؟ معناه انك تميز بالفعل بين ما قررته وما احدثته، فتلوم نفسك. اذن هناك ضمير او حارس داخلي يوجهك ويرشد طريقك.