حين قدّمت هبة القواس الاسطوانة المدمّجة الاولى التي ضمّت خمس أغنيات وخمس مقطوعات موسيقية لتستعيد توزيع الألحان، لم تكن قد ظهرت الا في عدد محدود من الأمسيات والحفلات الموسيقية والغنائية. وجاء هذا العمل الاول ليُطلق موهبة القواس و"تجربتها" التي أثارت اهتمام عدد من النقاد والمستمعين من الوسط الثقافي والفني في الأمسيات التي قدمتها في مراكز ثقافية غالباً في لبنان والخليج. تجمع هبة القواس في تجربتها بين الغناء الأوبرالي، حيث تتشكل "صورة الصوت" في تعبيرات تتسم بالقوة والتنوّع، والايقاعات الشرقية التي تُطلّ في تعبيرات أكثر تجدداً وتآلفاً... اما القصائد التي اختارتها لمجموعتها الاولى فهي من الشعراء أدونيس وأنسي الحاج وهدى النعماني ومحمد السويدي وجيزيل زرد. حول هذه المجموعة كان لنا مع هبة القواس الحوار التالي: الطموح الى أوبرا عربية ينبغي ان يكون مرتبطاً بجذور موسيقية وغنائية في التراث الموسيقي العربي، أين تجدين هذه الجذور؟ - لا أظن، اولاً، ان الموسيقى العربية توقفت عند التخت الشرقي أو "المغْنى" أو سواهما من تقاليد الطرب. فلو عدنا الى العصر العباسي لرأينا انه كانت هناك أوركسترا من ستمئة عازف، وكان من الضروري ان يكون هناك تأليف موسيقي يستدعي هذا الكم من العازفين. ومن جهة ثانية لو عدنا الى تاريخ الموسيقى الاوروبية لوجدنا انهم أخذوا عنا، وعن حضارات وشعوب اخرى، كل شيء تقريباً. وكانوا يحتاجون الى فترة لتأخذ اعمالهم الموسيقية طابعاً خاصاً: كيف تفسّر العلاقة الظاهرة بين "التروبادور" والموشحات؟ وكيف نفهم عصر الباروك حيث أدخلت آلات و"توقيعات" تحس معها احياناً بأنك في مناخ موسيقى عربية؟ وللإجابة عما اذا كان ثمة جذور للغناء الأوبرالي في تراثنا الموسيقي، علينا ان نعرف، اولاً، ما هي الأوبرا؟ انها باختصار موسيقى مكتوبة لنص مسرحي متكامل. ولكن الموسيقى هنا مركّبة ليست عملاً بسيطاً وتحتاج الى أداء مميّز يكون قادراً على تأديتها تأدية الموسيقى التي وضعت للنص... وما ذكرته عن النص والبعد المسرحي والاوركسترا والكورال... كل هذا ليس بعيداً تماماً عن تراثنا الموسيقي العربي. لماذا، اذن، فشلت كل المحاولات الأوبرالية السابقة؟ - ربما لم تكن هناك محاولات جدية. وبعض الحواريات الغنائية التي ظهرت لموسيقيين في العالم العربي أطلقوا عليها اسم "الأوبريت". واعتقد بأن سيد درويش كان يفكر بالامر وكان يحضّر نفسه للسفر الى ايطاليا... كانت هناك، اذن، محاولات "تمهيدية" ومحدودة. وهذه المحاولات، التي اتهمت دائماً بالخروج عن التقاليد الموسيقية، تقول اننا لا نستطيع البقاء مع التخت الشرقي، وان الكتابة الموسيقية ينبغي ان تأخذ بعداً جديداً. "الكليب" الاول الذي قدمته ل"أغنيِك حبيبي" لأنسي الحاج لم يكن مقنعاً، او هو، بمعنى أدق، لم يكن في مستوى الابعاد التي حققتها الاغنية أداءً وموسيقى وكلمات. هل ستعيدين هذه التجربة؟ الا تعتقدين بأن "الكليب" مغامرة تحدُّ من أبعاد الاغنية اذا لم تُدرس، تأليفاً وإخراجاً، بعناية كافية؟ - بالتأكيد. في رأيي ان "الكليب"، بشكل عام، يكسر حلم الموسيقي. ولكن التلفزيون الذي هو الاكثر رواجاً، يرتكز، في نقل اية ظاهرة الى الصورة. طموحي الآن، اذا رغبت في تصوير اغنية، ان ينفّذ التصوير بتقنيات السينما التي تتيح قدراً أوسع من المشاركة. ولكنني أعود للقول ان "الكليب" الاول "أغنيك حبيبي" يبقى جيداً، وكان له وقعه الخاص، قياساً بما وضع، مع موجة "الكليبات" في تلك الفترة. شارل صوايا مخرج موهوب ولكنه عمل ضمن الامكانات المتوافرة. الموسيقى العربية أنتجت حساسية ومزاجاً يختلفان الى حدّ ما عما يقدّمه الشريط الاول لهبة القواس، كيف تتوقعين ردّ فعل المستمع على عملك الاول؟ - أتوقع رد فعل ايجابياً. لديّ احساس بأن الناس سيحبونه لانهم ينتظرون شيئاً جديداً. هذا ما سمعته من كثيرين. وفي النهاية لم تأتِ موسيقى ال "س.د." من خارج الموسيقى الشرق - عربية سواء من ناحية المقامات أو من ناحية الايقاع. وليس المقصود بالايقاع هنا الطبلة او أية آلة تضربُ كل الوقت! ولكنني أعني الايقاع الداخلي. فالعمل كله، سواء لجهة اللحن او التوزيع او لجهة الحركة بين الآلات، مبني على ايقاعنا الشرق - عربي... عدا عن انني أدخلت العود والقانون والدفّ لتعزف مع الأوركسترا السمفونية. القصائد التي اخذتها و"اشتغلت عليها" شريطَك الاول والثاني الذي لا يزال قيد الاعداد كما أعرف تظهر مدى اهتمامك بالكلمة. هل ستتابعين البحث في الشعر العربي؟ وهل لكلام الاغنية قيمة مستقلة عن تصورك الموسيقي للاغنية؟ - في رأيي ان اللغة وجدت، في الاساس، لتخدم حاجات الانسان العادية، ولتدل على الاشياء والمعاني الملموسة. عكس الموسيقى التي أساسها الصوت. الكون يعبّر عن نفسه بالصوت، حتى اللغة وسيلتها الصوت لتبلغ السمع.... القصائد التي أخذتها هي التي أوحت لي بأبعاد تتجاوز دلالاتها المباشرة، والتي تخرج من ماديتها لترافق الموسيقى بسموها وتجريدها. لا أستطيع الآن ان أحصر قراءاتي بعدد من الشعراء، لكنني أحب من الشعراء العرب ابن عربي والمتنبي والحلاج والنفريّ وأطمح الى أعمال موسيقية من وحي هؤلاء. هل تعتقدين بأن الاغنية اللبنانية اكتسبت خصوصية وتميزاً في الغناء العربي؟ لمن تسمعين من الموسيقيين والمغنين اللبنانيين؟ - لبنان كان دائماً مميزاً، ربما لاحتكاكه المتواصل بحضارات العالم القديمة والحديثة. ولذلك فان حركات التجديد في الادب والفن وجدت دائماً مناخاً ملائماً للتجذر او على الاقل للتداول. في الغناء اللبناني اسمع لوديع الصافي، وكنت أحب صباح في أغانيها القديمة موسيقى وليد غلمية المأخوذة من الفولكلور اللبناني. وفي الغناء العربي أسمع أسمهان وسيد درويش. اما من الموسيقيين اللبنانيين فأسمع لوليد غلمية ولا سيما أعماله السيمفونية كما اسمع لزكي ناصيف وبشارة الخوري وتوفيق كرباج وهتاف الخوري وغيرهم. هبة القواس - ولدت في صيدا - لبنان - العام 1972. - تلقت دروسها الاولى وأتمت دراستها الثانوية في "مقاصد" صيدا العام 1988. - انتسبت الى الجامعة اللبنانية وحازت على إجازة في علم النفس العيادي العام 1994. - انتسبت الى المعهد الوطني العالي للموسيقى العام 1989 وحازت من المعهد على الماجستير بامتيازٍ عال في الغناء الأوبرالي باشراف الدكتور توفيق كرباج والبروفسور غارو جادريان. كما حازت على دراسات عالية من اكاديمية كيدجانا في سينما ايطاليا باشراف المؤلف الموسيقي دوناتوني والتينور كارلو برغونزي، وعلى الماجستير بامتياز عالٍ في التأليف الموسيقي من المعهد الوطني العالي للموسيقى باشراف الدكتور وليد غلمية العام 1995. - وضعت تسجيلات موسيقية وغنائية عدة وقدّمت "كونسرتات" في صيدا وبيروت لبنان، وفي سورية والامارات وايطاليا وألمانيا.