تخطت مجموعة توراس القابضة التي تتولى ادارة الاستثمارات الكويتية في اسبانيا صعوباتها الاقتصادية، وبدأت في نهاية 1997 ضخ استثمارات جديدة وافق مجلس الوزراء الاسباني عليها طبقاً للقانون الذي يتطلب موافقة الحكومة على أي استثمارات اجنبية تابعة مباشرة لإحدى حكومات الدول غير الاعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ينطبق على استثمارات مكتب الاستثمار الكويتي باعتباره مؤسسة تدير رؤوس أموال تابعة للحكومة الكويتية.وكانت مجموعة توراس القابضة مرت بفترات من عدم الاستقرار منذ اعلان افلاسها عام 1992، وتوقع الخبراء الاقتصاديون وقتها ان تنتهي مجموعة توراس القابضة الى التصفية نظراً الى حجم الديون التي تراكمت على شركاتها، والتي قدرها تقرير مكتب "بيت مارويك" لتدقيق الحسابات عام 1993 بأكثر من 220 بليون بيزيتا اسبانية الدولار الاميركي في ذلك الوقت كان يساوي حوالى 140 بيزيتا اسبانية. وبنى الخبراء رأيهم، الذي كان يرى ان التصفية هي المستقر النهائي لاستثمارات مكتب الاستثمار الكويتي في اسبانيا، على اساس حدة الخلافات بين الادارة السابقة لمجموعة توراس، التي كانت تضم الشيخ فهد الصباح كرئيس للشركة، ورجل الاعمال الاسباني "خافيير دي لاروسا" نائباً للرئيس، وبين الادارة الجديدة التي تولت تسيير الأمور بعد اعلان مجموعة توراس القابضة توقفها عن دفع ديونها. لكن عملية التجميل التي قام بها مكتب الاستثمارات الكويتي لمجموعة توراس القابضة من خلال التخلص من العديد من الشركات الميئوس منها، والتي وصلت ببعض هذه الشركات الى حد الإفلاس الكامل، مكنت السياسة الجديدة لادارة المجموعة من ان تعيد الى تلك الاستثمارات شيئاً من البريق، الذي اعاد بالتالي ثقة العملاء والبنوك والشركات الدائنة في امكان تخطي العقبات، التي كانت تواجه احتمال استثمار المزيد من الاموال الكويتية في اسبانيا. ونجحت الادارة الجديدة لمكتب الاستثمار الكويتي في سياستها من خلال بيع شركات "امايا" و"بيتا كبيتال" و"دلتيك بانامريكا" و"اريو"، واستطاعت من خلال هذه الصفقة ان تصفي جانباً من ديونها وان تحصل على عائد يقدر بحوالى 10.59 بليون بيزيتا، وتم توجيه هذه العائد لدفع ديون مضمونة سابقاً، وامكن تحرير جانب من اسهم مجموعة توراس التي كانت مرهونة في مقابل تلك الديون. وتم كذلك دفع جزء من ديون "توراس هوستنش" و"تور اسبابيل". ولمنع تعرض عدد من الشركات الناجحة الى مشاكل مالية خطيرة قدم مكتب الاستثمار الكويتي قروضاً عاجلة لمساعدة تلك الشركات، اضافة الى بذل جهود مكثفة مع دائني بعض تلك الشركات للتوصل الى حل وسط يضمن اعادة تعويمها أو بيعها بأسعار معقولة. ونجحت مجموعة توراس في تلافي اعلان افلاس شركة الورق "تور استابيل"، ثم توصلت الى اتفاق مع دائني شركات اخرى مثل "ايركروس" و"فيسا انفرسا" و"مجموعة بريما العقارية". وتضمنت الاتفاقات التي تم التوصل اليها مع عدد كبير من البنوك والمؤسسات الاخرى الدائنة إهمال جانب كبير من تلك الديون، وصلت في بعض الحالات الى حوالى 90 في المئة من مجموع هذه الديون، اضافة الى تحويل الباقي منها الى مساهمات في رأس المال. ومن خلال هذه الاتفاقات مع معظم الدائنين، قررت المحاكم الاسبانية التي تنظر قضايا الديون الخاصة بشركات مجموعة توراس رفع حالة التوقف عن الدفع وعلى رغم معارضة بعض الدائنين، الذين تشكل ديونهم نسبة 3.5 في المئة من مجموع هذه الديون غير المتفق عليها، الا ان المحكمة الوطنية قررت الاستمرار في رفع حالة الافلاس عن مجموعة توراس، لكن معارضة بعض الدائنين أدت الى تأخير تطبيق الاتفاقات مع باقي الدائنين عاماً كاملاً. وبعد اجراء تصفيات عدة للشركات الخاسرة تبقى لمجموعة توراس القابضة اسهماً في العديد من الشركات الناجحة، منها شركة "تور اسبابيل" التي تعتبر واحدة من أكبر خمس شركات لانتاج الورق في أوروبا، والأولى في اسبانيا، اذ تنتج 48 في المئة من مجموع استهلاك السوق الاسباني. ومن خلال ضخ استثمارات جديدة من خلال الهيئة العامة للاستثمارات الكويتية بلغت 5.15 بليون بيزيتا، اضافة الى 15 بليون بيزيتا حصلت عليها الشركة من المؤسسة الرسمية للقروض الاسبانية عام 1995، أمكن اعادة هيكلة العمالة والعودة الى معدلات الانتاج الى ما قبل اعلان الافلاس وتخطت عهد الارقام الحمراء، التي كانت تدل على الخسائر عام 1992، وعادت الى تحقيق أرقام ايجابية اعتباراً من عام 1995. وواجهت مجموعة شركات "ايركروس" الكيماوية صعوبات كبيرة نظراً الى حجم الديون الذي أدى الى تآكل رأسمالها بالكامل، ولم تعد تملك من أصولها ما يغطي ديونها، لكن الاتفاقات التي تم توقيعها مع الدائنين، وتضمنت التنازل عن جزء كبير من الديون، وصل في بعض الحالات الى 99 في المئة، اضافة الى التخلص من عدد من شركاتها بالبيع، مكنّت ادارة الشركة من خفض ديونها بشكل كبير، حتى بدأت عام 1994 في تحقيق نوع من التوازن وتسجيل نتائج ايجابية خلال عامي 1995 و1996. وفي ما يختص بمجموعة شركات "بريما للعقارات" تمكنت مجموعة توراس من التخلص من ديونها ببيع أهم مشاريعها العقارية في مدريد الذي كان يعرف باسم "أبراج Kio المائلة"، ونظراً الى عدم مشاركة مجموعة توراس القابضة في عمليات التوسع في رأس المال التي جرت مؤخراً، انخفضت نسبة مساهماتها الى حد كبير ولم تعد تحتفظ سوى بنسبة ضئيلة لا تزيد على 14 في المئة من اسهم "بريما للعقارات" على رغم ان هذه الشركات بدأت تحقق أرباحاً نظراً للرواج الكبير للعقارات الادارية في العاصمة الاسبانية. وربما كانت شركة المواد الغذائية "ايبرو" أقل شركات مجموعة توراس اثارة للمشاكل، نظراً الى حجم ديونها الذي كان قليلاً بالنسبة لأصولها، وعندما تم اعلان توقف مجموعة توراس القابضة عن دفع ديونها تمهيداً لاعلان افلاسها، كانت "ايبرو" الشركة الوحيدة التي لم تدخل في هذا الاطار الصعب. وكانت شركة "ايبرو" ولا تزال تسيطر على جانب كبير من سوق المواد الغذائية، خاصة السكر الذي يبلغ حجم انتاجها منه حوالى 54 في المئة من مجموعة انتاج اسبانيا، واذا أضيف الى ذلك انتاج شركة "اثوكريرا" فإن انتاجهما معاً يغطي حوالى 80 في المئة من انتاج اسبانيا من السكر، وتشكل الشركتان معاً أكبر انتاج في كل أوروبا. وكانت مجموعة توراس القابضة تمتلك 34.68 في المئة من اسهم شركة "ايبرو" للمواد الغذائية، ومن خلال تلك الشركة تمتلك مجموعة توراس نسبة كبيرة من اسهم "شركة هيربا" التي تعتبر من الشركات الرئيسية في انتاج وتوزيع الأرز ومنتجات الحلوى الفاخرة. وعلى رغم عدم ثقة العملاء في شركة "ايبرو" الناتجة عن المشاكل التي بدأت مجموعة توراس تعانيها منذ عام 1992، الا انها استطاعت ان تتماسك وتحقق ارباحاً نسبية وحافظت على قيمة اسهمها في أسواق الأوراق المالية. ووضعت الحكومة الاسبانية مشروعاً لدمج شركات انتاج السكر الرئيسية في شركة واحدة، وابدى الكويتيون استعدادهم للمشاركة في هذا المشروع، لكن الحكومة الاسبانية تعتبر رأسمال مجموعة توراس تابعاً لحكومة اجنبية لا تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي، وهدفها ان تكون الشركة الجديدة تحت سيطرة مستثمرين وطنيين. ومن هنا بدأت مباحثات مهمة مع الجانب الكويتي للتخلي عن اسهم مجموعة توراس في شركة ايبرو الى شركات اسبانية كان يمثلها في المباحثات شركة الزيوت "أليثيسا"، وكانت المباحثات تجري تحت مظلة وزارة الزراعة بشكل مباشر، وكانت الجهات الرسمية تحاول ان تذلل العقبات التي تواجه هذه المباحثات التي استمرت لأكثر من عام.وتم الاسبوع الماضي التوصل الى اتفاق لبيع الاسهم التي تمتلكها مجموعة توراس في شركة ايبرو في صفقتين، الأولى تتضمن 18 في المئة من مجموع اسهم ايبرو بسعر يزيد على سعر اغلاق سوق الاوراق المالية بنسبة تقدر بحوالى 13 في المئة، والصفقة الثانية تتم خلال ثلاث سنوات من اتمام الصفقة الأولى. وكانت مصادر مطلعة، أكدت ان الجانب الكويتي علق موافقته على اتمام الصفقة بتنازلات من جانب الحكومة الاسبانية فيما يختص بالديون الرسمية التي تدين بها شركات مجموعة توراس، وبشكل خاص ديون التأمينات الاجتماعية، وعلى رغم نفي المتحدث باسم توراس لهذه الشروط، الا ان كل المؤشرات تؤكد ان اتفاقاً ما تم التوصل اليه بين مجموعة توراس والحكومة الاسبانية في هذا الشأن. وصادق مجلس ادارة مجموعة توراس القابضة على الاتفاق، في اجتماعه الذي عقده مساء الثاني والعشرين من كانون الأول ديسمبر 1997، في الوقت الذي وافق فيه مجلس الوزراء الاسباني على استثمارات جديدة لمكتب الاستثمار الكويتي، وتسربت فيه انباء تؤكد ان قرضاً من المؤسسة الرسمية الاسبانية للقروض تم ادراجه في "أجندة" مجلس الوزراء الاسباني للموافقة عليه خلال الاسابيع القليلة المقبلة، وربما يتم ذلك في أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد عطلة اعياد الميلاد. ولم يعد أمام مجموعة توراس من مشاكل سوى المشاكل القانونية الخاصة بمقاضاة أعضاء الادارة السابقة، التي لا يزال التحقيق فيها مستمراً بعد مرور أربع سنوات، ولا تزال المحاكم الاسبانية والسويسرية والبريطانية تشهد فصولاً منها، أهم أبطالها رجل الاعمال الاسباني خافيير دي لاروسا.