لا عتب على السوريين المعارضين وهم يعقدون مؤتمراً تلو الآخر في أماكن مختلفة، فالحياة السياسية المعطلة منذ ما يقارب عشرة أعوام في سورية من حكم عائلة الأسد، الذي شل حراك البلاد والعباد، جعل السوريين يتهافتون على كل منبر يستطيعون من خلاله إفراغ شحناتهم الكامنة، وهي، أي هذه المؤتمرات، كانت ميداناً للتلاقي والاجتماع وتبادل الرأي، ومساندة حركة الشباب، والتنسيقيات بالداخل السوري، فهي إيجابية إذا ما أخذنا بالأسباب والدوافع والمشاعر أحياناً لاسيما في المرحلة الأولى من انطلاق المظاهرات. لكن الخطأ أن تستمر المعارضة السورية في الداخل والخارج في عقد مؤتمراتها، والشعب السوري الثائر ينتظر أكثر من المؤتمرات، سيما بعد أن اكتملت الظروف الموضوعية من مساندة دولية قوية لمطالب الشعب، ووقوف الدول الكبرى إلى جانبهم، ومطالبتهم لرأس النظام بالتنحي، وكذلك الدول الإقليمية كالمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى بدأت تسير على الخطى نفسها، وتطورت الحال النضالية الثورية وتعاظمت قوة المتظاهرين المطالبين بالحرية وإسقاط النظام، إذ باتت المظاهرات اليومية تغطي معظم أراضي سورية. تضافر عوامل نجاح الانتفاضة السورية من دعمٍ دولي، وقوة الرأي العام الداخلي والخارجي المساند لمطالب الثوار، الذين يحملون يومياً دماءهم على أكفهم ويسيرون في مظاهرات ٍ ينتظرها مصاصو الدماء من الشبيحة وقوى الأمن والجيش، تحتم على المعارضة بأشكالها المختلفة، التقليدية منها والحديثة وإيديولوجياتها ومنابعها السياسية والأثينية والعرقية أن تنتظم في هيئات وأحزاب ثم تجتمع في بوتقة واحدة لتعلن عن برنامجها السياسي للمرحلة الانتقالية المقبلة، وتبعث برسائل للجميع عن صدق توجهاتها ونياتها وأحلامها ورغباتها، وترفع شعارات جامعة ينضوي تحتها جميع أبناء الوطن على اختلاف مشاربهم وطوائفهم وأعراقهم وميولهم السياسية، لكي يتسنى للعالم الخارجي من دول ومنظمات عالمية ومؤسسات دولية التفاعل معها ومد يد العون لها ومناصرتها في المحافل وعلى المنابر، فقد بلغ السيل الزبى، لدرجة هتف المتظاهرون في جمعة الصبر والثبات: «خلافاتكم تقتلنا»، إذ لا يعقل أن يصبر الثائرون ووراءهم المجتمع الدولي والعربي أكثر مما صبروا، والمعارضة في أنقرة واسطنبول غارقة في خلافاتها، تشدها نوازع من مختلف الأشكال، ذاتية حزبية، فئوية وعرقية، من دون أن تجد حلاً لمعضلاتها بعد مرور أكثر من خمسة أشهر والدماء تسفك في كل مكان. هذه المعارضة التي أجحفت كثيراً بحق الشعب على مدى أكثر من نصف قرن بتشتتها، وتشرذم فصائلها، وتذبذب خطابها المؤيد تارة للنظام، والمتحفظة تارة أخرى، والمناصرة له في سياساته الخارجية، والمعارضة له في السياسات الداخلية... لم تستطع أن تصوب خطابها يوماً إلا في السنوات الأخيرة، إذ طالبت بالتغيير الديموقراطي، فقد كانت طوال الفترة الماضية تتصارع تحت عباءة النظام، ومتى ما حاولت إخراج رأسها كانت تُصفع من النظام فتعتكف لسنوات طوال. آن للمعارضة أن توحد خطابها وتلم أشلاءها المشتتة لتقصر أمد الظلم القابع على صدور السوريين، فقد طال ليلهم. كاتب كردي