بيروت - رويترز - تابع الرئيس السوري بشار الأسد انتفاضات الربيع العربي وهي تسقط زعيمي مصر وتونس في غضون بضعة أسابيع ثم تطيح بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي، لكنه لا يظهر بوادر على الرضوخ للاحتجاجات التي تتحدى حكمه الحديدي. ومع مرور ستة اشهر على بدء التظاهرات ضد الأسد هذا الأسبوع، تغرق سورية في عمليات سفك دماء وركود اقتصادي وعزلة دولية أكثر من معظم الدول التي تعاني من اضطرابات بسبب «الربيع العربي». وقد تهدد أي من هذه الأزمات بقاء الرئيس البالغ من العمر 46 سنة الذي ينتمي إلى الأقلية العلوية. ويتمتع الأسد بميزتين لم يتمتع بهما الزعماء السابقون لمصر وتونس وليبيا، إذ تحولت دفة الأمور ضد الرئيسين المخلوعين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك حين تخلت عنهما قوات الجيش وضد القذافي حين تقهقر بسبب القصف الذي قاده حلف شمال الأطلسي ضد قواته. فالجيش السوري لا يزال في معظمه موالياً للرئيس ويقود حملة على المحتجين بلا كلل تقول الأممالمتحدة إنها أسفرت عن مقتل 2600 شخص. وفي حين أن القمع أدى إلى فرض عقوبات غربية وأثار انتقادات إقليمية، فإن الأسد يعلم أنه لا توجد رغبة تذكر في التدخل العسكري في دولة حلفائها الإقليميين أكثر من ليبيا وتركيبتها العرقية والطائفية معقدة وقابلة للاضطراب. ويقول المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في شركة «ايه كيه اي» لاستشارات المخاطر في لندن الان فريزر: «من الواضح أنه ليست هناك حوافز تذكر حتى يتدخل المجتمع الدولي كما حدث في ليبيا». وأضاف أن «الحقيقة المرة هي أنه في الوقت الحالي لم تؤثر الفوضى على أي مكان خارج حدودها. ولم تتأثر موارد اقتصادية كبيرة وفي الوقت نفسه سياسة البلاد معقدة جداً بحيث أن لا أحد يريد التدخل». وتفجرت الاحتجاجات في سورية للمرة الأولى في 15 آذار (مارس) الماضي حين داهمت الشرطة تظاهرة صامتة شارك فيها 150 شخصاً أغلبهم من النساء في العاصمة دمشق وكانت تطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين. بعد ذلك بيومين، قتلت قوات الأمن ثلاثة محتجين في مدينة درعا في جنوب البلاد. وانتشرت التظاهرات في أنحاء البلاد. وفي نيسان (أبريل)، أرسل الأسد الجيش إلى درعا وكانت هذه أولى الحملات العسكرية المتكررة التي استهدفت سحق المعارضة بالقوة. وعلى رغم فشل الحملة في وقف الاحتجاجات، فإن ناشطين يقولون إنه في بعض الأحيان تخرج أكثر من 100 تظاهرة في اليوم الواحد، لكن حجمها أقل من الوقت الذي بلغت فيه أوجها في تموز (يوليو) الماضي حين كان يتجمع 100 ألف شخص على الأقل في أيام الجمعة في مدينة حماة. وتحدث ناشطون عن انشقاقات مطردة، وان كانت متواضعة في الجيش. واشتبك بعض المنشقين مع قوات الأمن وأعلن آخرون انشقاقهم رسمياً لكنهم لا يسيطرون على أرض يستطيعون تحدي الجيش منها. وبعيداً من إقالة الأسد لوزير دفاعه الشهر الماضي، وهي الخطوة التي أرجعت الى ظروفه الصحية، لم تظهر بوادر على اضطراب في صفوف قيادات الجيش التي تهيمن عليها الأقلية العلوية. وقال المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في شركة «كونترول ريسكس» جوليان بارنز ديسي: «إذا استطاع الجيش أن يحافظ على تماسكه فلا يوجد شيء يذكر يتحدى ميزان القوى». لكن استغلال هذا التفوق العسكري على حركة احتجاجية سلمية في معظمها له ثمن. ودفع قمع الأسد للاحتجاجات الغرب الى فرض عقوبات ودعوته الى التنحي فضلاً عن تزايد الانتقادات من دول عربية وإقليمية أبرزها تركيا. واتفقت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي على مجموعة من العقوبات تشمل حظراً على صادرات النفط السوري التي تأتي علاوة على التراجع الشديد في عائدات السياحة والتجارة مما يعني مواجهة سورية انهياراً اقتصادياً تدريجياً. لكن الأسد صمد في وجه الأزمات الدولية والعزلة من قبل، خصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005 حين أشار تحقيق أولي للأمم المتحدة إلى ضلوع سورية. وقال بارنز ديسي: «طبيعة عزلة سورية على مدى العقد الأخير هي أنها اعتادت تماماً أن تكون بمفردها. ليست لديها هذه الروابط السياسية والاقتصادية التي تجعلها معتمدة على لاعبين خارجيين». وبعد أن فرضت القوى الغربية عقوبات على سورية ودعت الأسد إلى الرحيل، فإنها فقدت أدوات النفوذ القليلة التي تستخدمها مع دمشق وعليها الآن أن تقنع الصين وروسيا بدعم قرار من الأممالمتحدة ضدها. كما تعاني شخصيات المعارضة السورية من انقسامات ولم تستطع التوحد حول برنامج متفق عليه أو تضييق الفجوات بين من هم داخل وخارج البلاد أو التنسيق الكامل مع القاعدة العريضة من المحتجين الذين ما زالوا يواصلون تظاهراتهم. ولا تحتاج قيادة حزب البعث الحاكم في سورية سوى إلى النظر إلى العراق المجاور لترى حاكماً بعثياً آخر وهو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي صمد أمام أكثر من عشر سنوات من الحرب والعقوبات. كما نجا حافظ الأسد والد بشار من قلاقل وقتل الآلاف حين سحق انتفاضة مسلحة للإسلاميين في مدينة حماة عام 1982. وقال ديبلوماسي مقيم في دمشق إن بشار لا يزال محتفظاً بدعم قوي بين غالبية الطائفة العلوية وبعض المسيحيين الذين يخشون حكم الغالبية السُنّية بعد الأسد وقطاعات من طبقة رجال الأعمال في حلب ودمشق. لكن إذا استمرت الاحتجاجات والقمع، فإن موقفه والدعم له سيضعفان باطراد على المدى الطويل بسبب المشاكل الاقتصادية والاستياء المتزايد. وقد يواجه أيضاً انتفاضة مسلحة. وتقول جماعات حقوقية إن الاحتجاجات كانت غالبيتها سلمية حتى الآن، لكن ظهرت تقارير عن وقوع هجمات على قوات الأمن. وتقول السلطات السورية إن 700 جندي وشرطي قتلوا. وفي غياب معارضة قوية وموحدة يقول الديبلوماسي إن أكبر التهديدات المحتملة للأسد ستأتي نتيجة لموجة انشقاقات كبيرة في الجيش والانهيار الاقتصادي أو انحياز المدينتين الرئيسيتين دمشق وحلب للمحتجين. وأضاف أن أياً من هذه الاحتمالات لا يبدو وشيكاً. وقال فريزر: «الأسد لن يمارس السيطرة على سورية كما كان يفعل من قبل أبداً. الاضطرابات منتشرة على نطاق أوسع مما يسمح بشن حملة على غرار تلك التي وقعت في حماة... غير أن إطاحته ستحتاج الكثير».