تابع الرئيس السوري بشار الأسد انتفاضات الربيع العربي وهي تسقط زعيمي مصر وتونس في غضون بضعة اسابيع ثم تطيح بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي لكنه لا يظهر بوادر على الرضوخ للاحتجاجات التي تتحدى حكمه الحديدي. ومع مرور ستة اشهر على بدء المظاهرات ضد الأسد هذا الأسبوع تغرق سوريا في عمليات سفك دماء وركود اقتصادي وعزلة دولية اكثر من معظم الدول التي تعاني من اضطرابات بسبب «الربيع العربي.» وقد تهدد أي من هذه الأزمات بقاء الرئيس البالغ من العمر 46 عاما الذي ينتمي للأقلية العلوية ويحكم سوريا التي يغلب على سكانها السنة منذ ان خلف والده الراحل الرئيس حافظ الأسد قبل 11 عاما. ويتمتع الأسد بميزتين لم يتمتع بهما الزعماء السابقون لمصر وتونس وليبيا فقد تحولت دفة الأمور ضد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي والرئيس المصري السابق حسني مبارك حين تخلت عنهما قوات الجيش وضد الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي حين تقهقر بسبب القصف الذي قاده حلف شمال الأطلسي لقواته. فالجيش السوري لايزال في معظمه مواليا للرئيس ويقود حملة على المحتجين بلا كلل تقول الأممالمتحدة إنها أسفرت عن مقتل 2600 شخص. وفي حين أن القمع أدى الى فرض عقوبات غربية وأثار انتقادات إقليمية فإن الأسد يعلم أنه لا توجد رغبة تذكر في التدخل العسكري بدولة حلفاؤها الإقليميون اكثر من ليبيا وتركيبتها العرقية والطائفية معقدة وقابلة للاضطراب. وقال آلان فريزر المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بشركة (إيه.كيه.إي) لاستشارات المخاطر ومقرها لندن «من الواضح أنه ليست هناك حوافز تذكر حتى يتدخل المجتمع الدولي كما حدث في ليبيا.» وأضاف: «الحقيقة المرة هي أنه في الوقت الحالي لم تؤثر الفوضى على اي مكان خارج حدودها. ولم تتأثر موارد اقتصادية كبيرة وفي الوقت نفسه سياسة البلاد معقدة جدا بحيث ان لا احد يريد التدخل.» وتفجرت الاحتجاجات في سوريا للمرة الأولى في 16 مارس حين داهمت الشرطة مظاهرة صامتة شارك فيها 150 شخصا اغلبهم من النساء في العاصمة دمشق وكانت تطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين، بعد ذلك بيومين قتلت قوات الأمن ثلاثة محتجين في مدينة درعا بجنوب البلاد. وانتشرت المظاهرات في أنحاء البلاد وفي ابريل أرسل الأسد الجيش الى درعا وكانت هذه اولى الحملات العسكرية المتكررة التي استهدفت سحق المعارضة بالقوة. وعلى الرغم من فشل الحملة في وقف الاحتجاجات يقول نشطاء إنه في بعض الاحيان تخرج اكثر من 100 مظاهرة في اليوم الواحد لكن حجمها اقل من الوقت الذي بلغت فيه أوجها في يوليو حين كان يتجمع 100 الف شخص على الأقل في ايام الجمعة بمدينة حماة. وتحدث نشطاء عن انشقاقات مطردة وإن كانت متواضعة بالجيش خاصة بين المجندين من السنة، واشتبك البعض مع قوات الأمن وأعلن آخرون انشقاقهم رسميا لكنهم لا يسيطرون على ارض يستطيعون تحدي الجيش منها. وبعيدا عن إقالة الأسد لوزير دفاعه الشهر الماضي وهي الخطوة التي أرجعت الى ظروفه الصحية لم تظهر بوادر على اضطراب في صفوف قيادات الجيش التي تهيمن عليها الأقلية العلوية. وقال جوليان بارنز ديسي المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بشركة (كونترول ريسكس) :»اذا استطاع الجيش ان يحافظ على تماسكه فلا يوجد شيء يذكر يتحدى ميزان القوى». لكن استغلال هذا التفوق العسكري على حركة احتجاجية سلمية في معظمها له ثمن، ودفع قمع الأسد للاحتجاجات الغرب الى فرض عقوبات ودعوته الى التنحي فضلا عن تزايد الانتقادات من دول عربية واقليمية. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الحليف السابق للزعيم السوري لوزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الثلاثاء: «الشعب السوري غير مقتنع بالأسد. وكذلك انا»، وفي نفس الاجتماع دعا الوزراء العرب أيضا الى تغيير فوري لوقف إراقة الدماء. واتفقت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي على مجموعة من العقوبات تشمل حظرا على صادرات النفط السوري والتي تأتي علاوة على التراجع الشديد في عائدات السياحة والتجارة مما يعني مواجهة سوريا انهيارا اقتصاديا تدريجيا. لكن الأسد صمد في وجه الأزمات الدولية والعزلة من قبل خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005 حين أشار تحقيق اولي للأمم المتحدة الى ضلوع سوريا. وقال بارنز ديسي: «طبيعة عزلة سوريا على مدى العقد الأخير هي أنها اعتادت تماما ان تكون بمفردها. ليست لديها هذه الروابط السياسية والاقتصادية التي تجعلها معتمدة على لاعبين خارجيين.» وبعد أن فرضت القوى الغربية عقوبات على سوريا ودعت الأسد للرحيل فإنها فقدت أدوات النفوذ القليلة التي تستخدمها مع دمشق وعليها الآن أن تقنع الصين وروسيا بدعم قرار من الأممالمتحدة ضدها. كما تعاني شخصيات المعارضة السورية من انقسامات ولم تستطع التوحد حول برنامج متفق عليه او تضييق الفجوات بين من هم داخل وخارج البلاد او التنسيق الكامل مع القاعدة العريضة من المحتجين الذين مازالوا يواصلون تظاهراتهم. ووعد الأسد بإجراء إصلاحات من بينها انتخابات تعددية العام القادم لكنه لم يعلن ما اذا كان سيسمح بأن ينافسه مرشح آخر على الرئاسة حين تنتهي ولايته عام 2014 . وتقول شخصيات من المعارضة إن استمرار العنف يقوض اي تعهدات بالتغيير. ولا تحتاج قيادة حزب البعث في سوريا سوى الى النظر الى العراق المجاور لترى حاكما بعثيا آخر وهو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي صمد امام اكثر من عشر سنوات من الحرب والعقوبات. كما نجا حافظ الأسد والد بشار من قلاقل وقتل الآلاف حين سحق انتفاضة مسلحة للإسلاميين في مدينة حماة عام 1982 . وقال دبلوماسي مقيم في دمشق: إن بشار لايزال محتفظا بدعم قوي بين اغلبية الطائفة العلوية وبعض المسيحيين الذين يخشون حكم الأقلية السنية بعد الأسد وقطاعات من طبقة رجال الأعمال في حلب ودمشق. لكن اذا استمرت الاحتجاجات والقمع فإن موقفه والدعم له سيضعفان باطراد على المدى الطويل بسبب المشاكل الاقتصادية والاستياء المتزايد، وقد يواجه أيضا انتفاضة مسلحة. وتقول جماعات حقوقية إن الاحتجاجات كانت اغلبها سلمية حتى الآن لكن ظهرت تقارير عن وقوع هجمات على قوات الأمن. وتقول السلطات السورية إن 700 جندي وشرطي قتلوا. وفي غياب معارضة قوية وموحدة يقول الدبلوماسي إن اكبر التهديدات المحتملة للأسد ستأتي نتيجة لموجة انشقاقات كبيرة بالجيش والانهيار الاقتصادي او انحياز المدينتين الرئيسيتين دمشق وحلب للمحتجين، وأضاف أنه لا تبدو احد هذه الاحتمالات وشيكة. وقال فريزر: «الأسد لن يمارس السيطرة على سوريا كما كان يفعل من قبل ابدا. الاضطرابات منتشرة على نطاق اوسع مما يسمح بشن حملة على غرار تلك التي وقعت في حماة... غير أن الإطاحة به ستحتاج الى الكثير.»