بعدما تبدّدت فقاعتها على شاشات التلفزة، استهلّت شركة «أمازون. كوم» عصراً تكنولوجياً مفتوحاً على المستقبل، عبر خليوي ذكي ذي شاشة تقدّم مشهديات ثلاثية الأبعاد، تصل إلى الأعين مباشرة من دون وساطة نظارات خاصة. وحمل الخليوي الثلاثي الأبعاد اسم «فاير فون» Fire Phone. وبشاشة بحجم 4.7 بوصة، من المتوقع ألا يزيد سعر «فاير فون» على 300 دولار في الأسواق العالمية. ومع تذكّر أن «أمازون» هي الصانع للكتاب الإلكتروني الشهير «كيندل»، بات ممكناً توقّع أن تقدّم الشاشات المقبلة الكتاب الإلكتروني عبر الأبعاد الثلاثة. واستطراداً، يحقّق ذلك حلم مشاهدة النصوص منحوتة بصرياً كأنها تماثيل مرصوفة، مع عرض الصور والبيانات وأشرطة الفيديو التي تتضمّنها النصوص المكتوبة في الكتاب الإلكتروني. يزيد في إلحاح السؤال أن الخليوي المبتكر ل»أمازون» حمل اسم «فاير فون» الذي يذكّر باللوح الذكي «فاير كيندل» الذي صنعته الشركة نفسها قبل سنتين، لتنافس به في صناعة الألواح الذكيّة. هل تكون الصحافة أيضاً هي النقلة المقبلة، بمعنى أن تقرأ على الأجهزة الرقمية بالأبعاد الثلاثة؟ لننتظر قليلاً. يزيد أهمية «فاير فون» أنه مشهديته الثلاثيّة الأبعاد لا تتطلّب أن يكون الشريط مصوّراً أصلاً بتقنية تمكن من عرضه بالأبعاد الثلاثيّة، كما هو الحال في السينما حاضراً، ولا على وجود مصدر يبثّ بالأبعاد الثلاثية، كالحال في التلفزيون. إذ تشتغل التقنيّة التي ابتكرتها «أمازون» على العين مباشرة. وزوّد جهاز «فاير فون» تقنيّة سميّت «المقترَب الديناميكي» Dynamic Perspective. وتعتمد على 4 كاميرات مثبّتة على الشاشة، ترصد الوجه وتحدّد موقع العينين فيه باستخدام الأشعة تحت الحمراء. وعند تشغيل تلك التقنيّة، يكفي أن تُحرَّك الشاشة قليلاً بطريقة تعدّل ما يظهر عليها ليتّخذ مظهراً ثلاثيّ الأبعاد، من دون نظارة خاصة. وحسمت «أمازون» سباقاً تكنولوجياً ضخماً بالتوصل إلى طريقة لعرض الصور والأفلام بالأبعاد الثلاثة، بل لعلها تقدّمت بخطوة على عملاق الإنترنت «غوغل» الذي أعلن قبل أيام أنه يعمل على لوح ذكي «تابلت» بشاشة ثلاثيّة الأبعاد. سبقت بخطوة؟ ليس أمراً هيّناً أبداً. في العلوم العسكرية، يعتبر التقدّم بخطوة كافيّاً لحسم معارك كبرى، وكذلك الحال في الشطرنج. وفي شركات المعلوماتية، يكون التقدّم بخطوة كافيّاً لاكتساح عصر بأكمله. لنتذكر أن التنافس الطويل بين «مايكروسوفت» و»آبل» انطلق عندما تمكّن العبقري بيل غيتس من سبق غريمه الندّ ستيف جوبز، فكان أن تمدّد نظام التشغيل «ويندوز» على 96 في المئة من الأجهزة، فيما انحصر ال»ماك» في زاوية السوق. ثم سبق جوبز منافسيه بخطوة في «آي باد» (كذلك الحال في «آي فون») هي إدراكه لأهمية التطبيقات «آبليكايشنز»، فكان أن انقلب التنافس رأساً على عقب. ربما يكفي السبق بخطوة الفصل بين المشهدية الثلاثية الأبعاد والاضطرار لاستخدام نظارة خاصة لرؤيتها، لتحقيق اختراق تكنولوجي ضخم. إذ بات مألوفاً على شاشات السينما، خصوصاً بعد رواج فيلم «آفاتار»، مشاهدة الأفلام الثلاثية الأبعاد، لكنها تحتاج دوماً إلى نظارات خاصة. وبعدها، راج أن الشاشات التي تقدم صورها بالأبعاد الثلاثيّة المجسّمة هي مستقبل الأجهزة الرقمية. ومثّلت النظارة عائقاً كبيراً. إذ يصعب تصوّر انتشار شاشات الأبعاد الثلاثة إذا كانت رؤيتها مرتبطة باستعمال نظّارة خاصة. ومع أعين باتت ملتصقة بالشاشات، حتى عندما تعبر الشارع أو تنخرط في أحاديث خاصة أو حتى في أماكن العمل والدارسة، صارت النظارة حاجزاً لانتشار مشهدية الأبعاد الثلاثة. وقبل سنتين، حاولت «توشيبا» نشر تلفزيون ثلاثي الأبعاد لا يحتاج إلى نظارة، لكنها لم توفق. وحطّمت «أمازون» الحاجز، فاستهلت عصراً مرئياً- مسموعاً جديداً للتقنيّات الرقمية. وللحديث بقيّة.