لم تكن تجربة نبيلة بن يوسف (47 سنة) في فنون المسرح والسينما والتلفزيون في مسقط رأسها تونس على قدر طموحاتها. عانت، كغيرها، من قسوة النظام البائد الذي كتم أنفاس الفنانين وضيّق على حرياتهم وراقب حركاتهم وسكناتهم. هكذا، اختارت مرغمةً الهجرة إلى كندا، وحطّت رحالها في كيبك عام 1996 لتبدأ مسيرتها الفنّية كمواطنة كندية-تونسية في ظروف شديدة التعقيد، إلى أن قُدّر لها أن تصبح واحدة من مشاهير الفن الفكاهي المنفرد (One Woman Show) على المسارح الكندية. تتمتع بن يوسف بحس كوميدي فطري، وموهبة فائقة في جذب الجمهور. تأسره بخفة ظلها وذكائها، وتستدرجه بإيماءاتها وبخطواتها الراقصة على إيقاعات تونسيةأصيلة، وتقصفه بوابل النكات إلى أن ينفجر ضاحكاً لتضجّ القاعة بصيحات الإعجاب. تلك هي بن يوسف... في كل من عروضها الكوميدية لا تتوخى الضحك من أجل الضحك، وإنما لجعله لغة أو حواراً حول ما تطرحه على المسرح من قضايا جوهرية. وهذا ما يؤكده قولها: «أريد أن يضحك الناس، لكنني أريدهم أن يتعلموا أيضاً، ويفكروا في القضايا التي طرحتها أمامهم عند عودتهم إلى منازلهم». بهذا الفهم الاجتماعي والإنساني، والروح النقدية الموشّحة بالكوميديا، تتناول بن يوسف، ومن دون الوقوف عند محرّمات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، شؤون الناس وحياتهم اليومية، بما فيها القضايا التي تمس العرب والمسلمين، كالدِّين والإرهاب والحجاب والعلاقات الحميمة والهجرة، وصولاً إلى «الربيع العربي». تقف بصلابة لإزالة الغموض وكشف الأحكام المسبقة التي تلوث الوجه المشرق للثقافة العربية والإسلامية. وفي الوقت نفسه، وبالروح النقدية الهزلية ذاتها، تتناول بني قومها في الاغتراب، لا سيما بعض الفئات العصية على الاندماج في المجمتع الكندي، أو بعض المنخرطين في الحركات الراديكالية، أو النساء اللواتي يغالين في ارتداء البرقع والنقاب، علماً أنها تتباهى بارتداء الحجاب على المسرح كرمز للاعتدال الديني يضفي على وجه المرأة، كما تقول، «جمالاً وأنوثة ولا يعيقها عن واجباتها الحياتية والمدنية». وفي ما يخص «الربيع العربي»، تحرص بن يوسف في مسرحيتها الجديدة «Drolement Libre» (حرّ بشكل مضحك) التي تلاقي إقبالاً كبيراً من أبناء الجاليات العربية، على التنويه بالثورة التونسية التي كانت سبّاقة في اقتلاع رموز الظلم والفساد والديكتاتورية، ومقدّمة طبيعية للثورات العربية التي ينتقل أريجها من عاصمة إلى أخرى. وكشفت بن يوسف أنها تحضّر لمسرحية جديدة، سياسية بامتياز، تواكب فيها مجمل الحركات العربية الساعية اليوم إلى الحرية والديموقراطية.