قررت الدول الثماني الكبرى تخصيص 38 بليون دولار لدعم اقتصادات مصر وتونس والمغرب والأردن خلال السنتين المقبلتين. ولا شك في أن هذا القرار جاء في وقت تحتاج هذه البلدان إلى معونات لتنشيط اقتصاداتها المتراجعة التي تعاني انخفاضاً في الإيرادات السيادية. ومعلوم أن البلدان الأربعة المحددة تعتمد على إيرادات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، فيما تعتمد مصر وتونس إلى جانب ذلك على إيرادات النفط إلى حد ما، وهناك إيرادات الصادرات وإن كانت متواضعة. وعانت تونس ومصر منذ اندلاع الثورة فيهما، أوائل هذا العام، تراجعاً في الأداء الاقتصادي، خصوصاً في قطاع السياحة إذ انخفضت أعداد الزوار خلال الشهور التسعة الماضية في شكل قياسي. واستغنت مؤسسات اقتصادية في البلدين عن العديد من العاملين لديها نتيجة تراجع الموارد وانخفاض مستوى الأعمال ما زاد أعداد العاطلين من العمل في البلدين. وحتى يومنا هذا لم تستقر الأمور السياسية والأمنية في مصر وتونس بما يعيد النشاط إلى قطاع السياحة وغيره ويمكّن من استئناف التشغيل في المنشآت الاقتصادية. وعلى رغم تفاؤل المنظمات الاقتصادية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي والعديد من المؤسسات المعنية وعدد كبير من رجال الأعمال الأجانب والاقتصاديين المتخصصين، بأن التحولات الجارية في البلدين قد تسمح بمزيد من الشفافية والانفتاح الاقتصادي، إلا أن التوجهات الشمولية التي طُرحت في شأن الاستثمار الأجنبي في البلدين من قبل عدد من المنظمات السياسية ونشطاء آخرين، أثارت شكوكاً في احتمالات تدفق الأموال في شرايين الاقتصاد لديهما. ولا يُعتبر المغرب والأردن أفضل حالاً من مصر وتونس وإن كانت الأوضاع السياسية فيهما أكثر استقراراً نسبياً. فالبلدان تأثرا بالحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ بداية العام، ولا بد أن مواردهما السيادية تراجعت. وحاولت الحكومة المغربية منذ بداية عهد الملك محمد السادس أن تنطلق باتجاه التحرير الاقتصادي وتشجيع الاستثمار الأجنبي، ويمكن لأي مراقب أن يشهد على أهمية التحولات التي جرت في المغرب خلال العقد الماضي. ويتمتع المغرب بإمكانات اقتصادية مهمة فهو ذو موقع جغرافي متميز ويكاد أن يكون ملاصقاً لجنوب أوروبا ويتشابك مع بلدانها بالتجارة والسياحة ووجود أعداد كبيرة من العاملين المغاربة في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا ممن يرسلون أموالاً مهمة سنوياً إلى ذويهم في المغرب، ويمثلون قدرة استهلاكية مهمة عند زيارتهم المغرب خلال الإجازات السنوية. يُضاف إلى ذلك أن المغرب متنوع التضاريس ويجذب السياح من بلدان أوروبا وأميركا الشمالية ممن يقضون أسابيع في زيارتهم السياحية، ومن ثم إنفاق أموال تشكل جزءاً من الموارد السيادية للبلاد. لكن المغرب الذي يُقدَّر عدد سكانه بنحو 32 مليون نسمة يعاني بطالة هيكلية، خصوصاً بطالة المتعلمين، وهي ظاهرة في بلدان شمال أفريقيا تتطلب الأموال لإيجاد نشاطات وأعمال قادرة على توظيف العديد من المواطنين فيها. أما الأردن فيعاني مشكلات أكثر تعقيداً، فهو بلد محدود الموارد والإمكانات وظل زمناً طويلاً يعتمد على المساعدات الاقتصادية من بلدان الخليج والدول الصديقة، مثل الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم محدودية القاعدة السكانية إلا أن معدل البطالة مرتفع إلى درجة غير محتملة ما يضغط على الحكومة لإيجاد فرص عمل. صحيح أن هناك جاذبية سياحية بعضها لأسباب دينية، إلا أن الإمكانات تظل محدودة، وهناك عوامل سياسية تحول دون تطور هذا القطاع، مثل الصراع العربي - الإسرائيلي وبروز حركات دينية متطرفة في بعض مناطق البلاد. ولا شك في أن الأردن سيظل يعتمد، ولزمن طويل، على العون الاقتصادي الخارجي، وهو لذلك يعمل من أجل توطيد علاقاته الاقتصادية والسياسية مع بلدان الخليج وبناء صيغة سياسية معقولة مع مجلس التعاون الخليجي. ومما يميز الأردن وجود إدارة سياسية متحررة من العقد والقيم الشمولية وتوافر كوادر إدارية واقتصادية يمكن أن تقود المؤسسات في شكل مفيد حتى تتعزز توظيفات أموال العون الاقتصادي في الشرايين الأساسية للاقتصاد الأردني. وتمثّل البنية التحتية في البلاد أساساً مهماً لجذب الاستثمار وتمكين إقامة المشاريع الاستثمارية في القطاعات ذات الجدوى الاقتصادية والتي تتمتع بميزات نسبية. ولذلك فإن إنجاز الإصلاحات السياسية، بمعرفة النظام السياسي وإشرافه كما هو مأمول، قد يحقق الثقة لدى الدول المانحة والعديد من المستثمرين ورجال الأعمال ويزيد من التدفقات التي قد تؤدي إلى ارتقاء النشاط الاقتصادي بما يحسن من مستويات المعيشة. ويجب التأكيد على أهمية توجه مبالغ الدعم الاقتصادي، سواء تلك التي أعلنت عنها مجموعة الثماني أو ما يمكن أن تقدمه بلدان الخليج، إلى كل من مصر وتونس والمغرب والأردن، إلى القطاعات المتميزة والقادرة على إيجاد فرص عمل وتعزيز الصادرات الوطنية لأي من البلدان الأربعة. تستحق البلدان الأربعة هذا الدعم في هذه المرحلة التاريخية من تطورها، لكن عليها أن تعمل على تصحيح مسارات اقتصادية واجتماعية، مثل التحرر من أوهام دور الدولة في القطاعات الأساسية، وكذلك عليها أن تضبط النمو السكاني والارتقاء بالتعليم وتحسين جودة مخرجاته. ويُرجَّح أن تضع البلدان المانحة والمؤسسات المالية الدولية شروطاً مناسبة قبل تقديم الأموال إلى أي من البلدان المعنية. ويُؤمل أن تفرز الانتخابات المرتقبة في مصر وتونس عناصر عقلانية متحررة من أوهام الإيديولوجيات الشمولية، وتتعامل على أسس عملية مع الأوضاع الاقتصادية حتى لا تعطل مسار التنمية والازدهار، كما حدث في العديد من بلدان العالم، ومنها مصر، على مدى العقود الخمسة الماضية. هناك تحديات اقتصادية وديموغرافية وثقافية تتطلب المواجهات المستحقة من قبل الأنظمة السياسية الجديدة بما يمكّن من تحقيق التطور وتحسين الأوضاع المعيشية من خلال الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الوطنية وما يتوافر من دعم وعون دولي وعربي. ويُؤمل التعامل مع العون الاقتصادي على أسس فنية ومهنية وتأمين البيئة السياسية الصديقة والاتساق مع متطلبات التحولات الاقتصادية المعاصرة. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - الكويت