لا يشبه أيلول (سبتمبر) هذا العام أيلول السنين الماضية الذي عادة ما كان يطل على سورية حاملاً معه نسمات عليلة تلطّف حدة الحر وتعلن انتهاء العطلة الصيفية وبدء موسم العودة إلى المدارس، حيث تتصدر الثياب المدرسية بألوانها الموحدة واجهات المحال وتزدحم الأسواق بالأمهات والآباء يشترون لأولادهم اللوازم المدرسية، بينما يودع الطلاب أوقات الراحة واللعب والتسلية بانتظار انضباط عام دراسي جديد. أيلول هذا العام مختلف إذ تعيش البلاد أوضاعاً مختلفة وصعبة، وتطغى أحداث العنف على المشهد ويعيش الجميع الهم والحزن والقلق المستمر، بمن فيهم الصغار الأكثر تأثراً. لم تهدأ الأجواء قبل حلول موعد فتح المدارس أبوابها كما تمنى كثيرون. ولم تشهد أسواق اللوازم المدرسية هذا الشهر الإقبال المعروف والاكتظاظ نفسه، كما لم تبدُ على وجوه الطلاب والتلاميذ فرحة الاستعداد لاستقبال سنة دراسية جديدة بعد أن ودّعوا عطلة صيفية ساخنة ومؤلمة، إذ ينشغل بال أسر كثيرة بالأوضاع الأمنية الخطرة في محافظاتهم وقراهم، وتعتريهم هموم الحفاظ على سلامة أطفالهم التي تبدو أولوية حتى لو على حساب الدراسة والمستقبل. وكرد فعل على الأحداث الراهنة، أجّلت الحكومة موعد افتتاح المدارس نحو أسبوعين، ووفق وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أعلنت وزارة التربية يوم 19 أيلول موعداً لبدء العام الدراسي الجديد في المدارس الرسمية والخاصة على مختلف فئاتها ومستوياتها. وحددت يوم الاثنين 12 الجاري موعداً لبدء دوام الإداريين والمعلمين والمدرسين. ووفق إحصاءات الوزارة أيضاً، فإن مجمل عدد الطلاب الملتحقين العام الماضي وصل إلى حوالى 5.3 مليون طالب وطالبة من مختلف مراحل التعليم. أزمة كبيرة وإمكانات محدودة وإذ يعيش السوريون بأطيافهم كافة هماً متزايداً، يطغى الخوف والتحسب على طلاب كثيرين وخصوصاً في المناطق التي تشهد أحداث عنف مؤلمة. ويعتري الأسر قلق كبير على الطلاب الصغار في المراحل الابتدائية، وتزداد الأمور صعوبة للذين هم أكبر سناً، لكونهم على مفترق طرق كما هي حال طلاب الشهادتين الإعدادية أو الثانوية اذ تلعب سنتهم الدراسية دوراً مفصلياً في تقرير مستقبلهم واختياراتهم واختصاصهم الجامعي. ويؤكد اختصاصيون الدورَ المهم للدعم النفسي في مساعدة الأطفال على تجاوز مثل هذه الأزمات. كما تلعب المدرسة دوراً كبيراً في مساعدة الطلاب وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم وشجونهم وخوفهم، وأن تحاول احتضانهم وإحاطتهم بالأمان قدر الإمكان للتغلب على المشاعر السلبية الناجمة عمّا اختزنته ذاكرتهم من صور ومشاهد عنف، ما يضع إمكانات المؤسسة التربوية في سورية للقيام بهذه المهمة موضع شك وتساؤل خصوصاً أن مدارس كثيرة تعاني من مشاكل مسبقة مثل عدد الطلاب الكبير جداً االبالغ أحياناً 50 تلميذاً في الصف الواحد، وعدم كفاءة الموارد البشرية والاستمرار في استخدام الضغط النفسي والعنف كسبيل للتنشئة والسيطرة على مشاكل الأولاد، وأيضاً الدمج بين الطلاب السوريين وأقرانهم من اللاجئين العراقيين الذين يحملون معهم آلام وطنهم ومشاكله، ثم تأجيل إصلاحات ضرورية في مباني المدارس بسبب الانشغال بتطور الأحداث. وبينما تنال الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد من الطلاب الملتزمين والمهتمين بالدراسة والتحصيل العلمي، يجد أطفال آخرون من ضحايا الإهمال أو الفقر أو التفكك الأسري في الظروف غير المستقرة مناخاً ملائماً للتحرر من ضوابط المؤسسة التعليمية لتزداد في مثل هذه الظروف ظاهرة تسرب الأطفال من المدرسة. وإذ تكفل اتفاقية حقوق الطفل الحق في التعليم ولا يسقط هذا الحق بأي حال من الأحوال ولا تحت أي ظرف من الظروف، يبقى السؤال: كيف سيكون شكل الحلقة الدراسية في ردهات المدارس في سورية هذا العام؟ على ماذا ستتمحور أسئلة الأطفال الجريئة حول الوضع الراهن وكيف سيتم التعاطي معها؟ كم سيختلف وضع الطلاب بين محافظة وأخرى؟ وما هو مصير الطلاب الذين يعيشون في مناطق ساخنة جداً؟ وهل تستطيع المدرسة استيعاب هموم الطلاب الصغار وحزنهم ممن فقدوا أحداً من ذويهم أو من أقربائهم في الأحداث الأخيرة؟ الأسئلة كثيرة أما الإجابات فتبقى رهن المقبل الجديد.