مقتضيات المصالح الأميركية الاقتصادية والسياسية، جعلت من الرعب «الصّدامي» المندثر، والطموحات الإيرانية في منطقة الخليج خلال العقود الثلاثة الماضية وإلى يومنا هذا، هدفاً إستراتيجياً لاستمرارها في حلب منطقة الخليج والتمركز في أهم بقعة نفطية في العالم، ولا يلام الأميركي بعد اجتهاده! ونرى اليوم مشهد مطاردة العقيد القذافي يترنح أمام أعيننا، فالقوافل التي تحمل الأعوان والأموال والعتاد تتحرك تحت أنظار حلف الأطلسي، إما بإعادة التمركز داخل الحدود الليبية أو الخروج إلى دول مجاورة كالجزائر والنيجر، والسياسيون الأميركيون الذين أوقفوا العسكريين عن مطاردة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد حرب تحرير الكويت لأبعاد إستراتيجية اقتصادية وسياسية، يقتفى أثرهم في المشهد الليبي سياسيون أوروبيون بقيادة فرنسا للحاجة إلى مرحلة رعب قذافية لاستكمال تثبيت سيناريو حلب الموارد الليبية، وتمركز أطلسي متوسطي، وإذا ما صدقت روايات هبة «30 في المئة» النفطية الليبية لفرنسا بموافقة إجبارية من المجلس الانتقالي الليبي، فإن إقناع الشعب الليبي يحتاج إلى بقاء شبح القذافي المرعب حتى يكون بين خيارين أحلاهما مُرُ؟! هل سيتكرر سيناريو العراق ومن سيلعب الدور الإيراني في ليبيا؟ وأين سيُسمح للعقيد المهزوم بأن يستوطن ويبعث برسائله الصوتية على الطريقة «اللادنية»؟ هذا ما بُحث ونُوقش بملحمة أوروبية بقيادة فرنسية، تحركت فيها الطاقات والأهداف القريبة والبعيدة، والأشباح الأطلسية التي تسيطر على الفضاء في الأراضي الليبية تستمد مغزاها مما رسم لها من رابطة المصالح الأوروبية هذه المرة! لا تثريب عليكم أيها الليبيون، امرحوا وافرحوا، لقد تخلصتم من دكتاتورية العقيد وجنون العقيد وخزعبلات العقيد، وحطمتم أحلام بقاء سلالة العقيد الأبدية، وبعد أن تهنأوا بعلامات النصر لابد لكم من الصبر على منغصات المصالح الأطلسية، سيستمر العقيد ومعه رهط من النسل والأعوان في توجيه رسائل للثورة على الاستعمار، ونصح وإرشاد ودعوة لمحاربة فساد هو يعتقد أنه استشرى بعد رحيله، أما فساده مع أسرته وأعوانه فكان من موجبات الثورة والعقيدة الخضراء، وستحظى الرسائل القذافية برعاية وحماية أوروبية غير ظاهرة، لأن نسيانكم أيها الليبيون لهذه الحقبة المأسوية من تاريخكم سيكلف حلف الناتو خسائر الأهداف والنتائج المرسومة والمتوقعة ولم يكن بالإمكان إيجاد طريقة أفضل لتذكير الشعوب العربية بالمعروف الغربي لكي تستمر عملية الحلب بهدوء وسكينة، على رغم القعقعة والظاهرة الصوتية القذافية المطلوب استمرارها لزمن حتى يتم استكمال البُنى الأساسية لترسية أهداف ومصالح الناتو في النفط الليبي باهي الموقع والتركيب الجيولوجي. المؤكد أيها الشعب الليبي العربي الأبي أن التاريخ لن يعود بكم للوراء لصورة الاستعمار الإيطالي البغيض، ولن تشاهدوا فرنسياً أو ألمانياً، وإنكليزياً أو إيطالياً يتسكع في مقاهي طرابلس أو بنغازي يُنغص عليكم حياتكم، ولن يتم إطلاق صيحة البطل المجاهد الكبير عمر المختار لمقاومة الاستعمار لأن الاتفاقات، والمعاهدات والعقود المبرمة التي لم تبرم بعيدة عن أنظاركم، المهم تجنبوا البحث في التفاصيل الشيطانية ولا تُعقدوا الأمور في وقت باكر، اقتنعوا باليسير حتى يأذن الله أمراً كان مفعولاً. عقيدكم السابق وفقيدكم الحالي أيها الليبيون الشرفاء لم يكن شاويشاً أو صعلوكاً، كان من النبلاء أمضى أربعة عقود ونيف أمسك خلالها بتلابيب الحكم ومصادر الأموال، وتَحَكّم في عقول جلاوزة السيوف والأقلام ليس في وطنكم فحسب بل نقلته نزعاته ونزغاته إلى التجوال في قارة أفريقيا المفتوحة معظم أراضيها لتجارب المراهنات والتسويق السياسي! اقتلاع العقيد واجتثاث أركان نظامه تَطَلّب تضحيات كبيرة ومنها الاستعانة بمن أصبحوا أصدقاء، ولكم أيها الشعب الليبي في أبي الطيب المتنبي ملجأً وملاذاً شعرياً حين قال: ومن نكد الدنيا على الحُر أن يرى/ عدواً له ما من صداقته بُدُ. إنها «البُد» التي ألقاكم في أحضانها عقيدكم الفقيد الذي استقبلتموه ضابطاً ثائراً خرج من عباءة ناصرية يحمل آمال التغيير بخطب حماسية ألهبت المشاعر ورفعت الأكف العربية موعودة بنصر مؤزر وعدالة إجتماعية، لكنها وعود صدرت من عقلية عسكرية ترعرعت في أحضان الأوامر وملذات السادية. العسكر إذا دخلوا حياة سياسية أفسدوها، وكارثة إعادة أخطاء التاريخ بظهور حقبة ناصرية عربية جديدة، أبعدوا العسكر إلى ثكناتهم وقواعدهم العسكرية، حرّموا عليهم القرب أو التعاطي في السياسة، هم حماة للوطن ودرعه الحصين، ولكن اجعلوا بينهم وبين الحياة السياسية والإدارة المدنية سداً؛ يكفي التاريخ العربي كوارث، الضابط والمشير والعقيد والفريق، نكبة الأمة عندما ترى عسكرياً يتربع على كرسي الرئاسة، حتى لو تخلى عن بدلته العسكرية، فالعقل ليس عقداً يعلقه البشر ويستبدلونه متى ما أرادوا وكيفما شاؤوا. * كاتب سعودي. [email protected] twitter | @alyemnia