لا تعني حربهم على المونديال كرههم لكرة القدم، فالأمران مختلفان تماماً، البرازيليون خلال فترة المونديال الذي يتظاهرون ضده يعشقون كرة القدم إلى درجة يصعب وصفها، هنا وحين تنطلق مباراة المنتخب البرازيلي تختفي كل أنواع الزحام الخانق في الشوارع، وتنتهي كل مظاهر الحياة إلا أمام الشاشات، حتى موظفي الاستقبال في الفنادق يتخلون عن أماكنهم ويلجأون إلى المكاتب لمتابعة المباريات. الهوس بنتائج المنتخب الوطني في المونديال «معادلة بوجهين»، ذلك ما يقوله البرازيلي جيلبرتو راني الذي استغل فترة التوقف بين شوطي مباراة البرازيل والمكسيك للامتعاض من مستوى منتخب بلاده، قبل أن يخوض في تفاصيل المونديال، فيقول: «أنا أعشق كرة القدم وكل البرازيليين يتفقون معي في ذلك، لكنني ضد تنظيمنا للمونديال، يمكنني تجاهل كرهي لهذه البطولة إن نجح البرازيل في تحقيق لقبها». جيلبرتو يبدو مقتنعاً بأن سقوط البرازيل في المونديال، أو خروجها خالية الوفاض من البطولة المقامة على أرضها، سيعني نهاية الكثير من الأمور التي يعرفها أبناء جلدته اليوم، فيقول: «إن ذهب هذا اللقب لأي منتخب غير البرازيل، فتأكد أن الجميع سيكون طرفاً في المظاهرات، أول الخسائر ستمنى بها الرئيسة ديلما روسيف التي ستفشل بالفوز في فترة رئاسة ثانية، وسيسقط حكم حزب العمال، وعلى رغم أني أؤيد بقاء حزب العمال في الحكم، إلا أنني سأتخلى عن قناعتي إن خسرت البرازيل». يمكنك أن تطرح أسئلة عدة على البرازيليين وتجد الأجوبة حاضرة بود، لكن سؤالي الأخير الذي ألقيته في ملعب جيلبرتو دفعه إلى إنهاء الحوار، فسؤال مثل ماذا لو فازت الأرجنتين بكأس العالم؟ لم أنجح في الوصول إلى نهايته، إذ جاء الرد سريعاً حين قال جيلبرتو: «لا نسمح لك في البرازيل حتى بتخيل ذلك، لن أعلق على الموضوع، وأفضّل أن ينتهي النقاش، سؤال مثل هذا نذير شؤم!». صورة للرئيسة ديلما روسيف تسلّم كأس المونديال البرازيلي لقائد منتخب الأرجنتين ليونيل ميسي كفيلة بإنهاء تاريخها في البلاد، لذلك ربما قررت الرئيسة التخلي عن شرف تسليم كأس البطولة بعد أن أعلنت رسمياً تفويضها عارضة الأزياء البرازيلية جيزيل بونديشن بتولي تلك المهمة نيابة عنها». قلة جداً من البرازيليين يتخلون عن دعمهم للمنتخب اعتراضاً على المونديال البرازيلي ريناتا تأتي على رأسهم، خصوصاً وأنها تعلن صراحة تشجيعها للأرجنتين في هذه البطولة، فتقول: «ما من حدث بالنسبة لي اليوم أهم من فوز الأرجنتين بهذا اللقب، فهذا الحدث كفيل وبسهولة في إسقاط هذه الحكومة التي قتلت البلاد بتنظيم المونديال»، وتضيف: «نحن شعب عاطفي ونعشق كرة القدم، أعرف أن هذه الجماهير قادرة على نسيان كل ما عانيناه من المونديال لحظة فوزهم باللقب، لذلك فتحقيق البرازيل كأس العالم يشكل كابوساً بالنسبة لي». قلة ممن تلتقيهم هنا يتفقون مع ريناتا التي تابعت مباراة المنتخب البرازيلي بهدوء بالغ إلى جوار غابريال أحد أقاربها الذي يخالفها الرأي عن المنتخب، وحتى عن المونديال، إذ يقول: «أعتقد بأننا قادرون على تعويض ما خسرناه هنا، يمكن لهذه المنشآت أن تقدم الفائدة المرجوة، سنستضيف الأولمبياد وكل هذه الأمور ستساعد في توفير مداخيل للبلاد. ما أخشاه حقاً أن تضيع الملايين في أيدي الفاسدين من المقاولين الذين عجزوا عن إتمام تجهيز المنشآت»، هنا تقاطعه ريناتا: «لا تنسى أن الحكومة هي التي اختارت أولئك المقاولين لتنفيذ المشاريع». يمكن لنقاش مثل هذا أن يطيل حرمانك من متابعة المباراة، لكن الطرف المعارض للاستضافة يكسبه كل مرة، فالطرف الصامت أمام وجود كأس العالم في البرازيل يبني صمته على عشق للمنتخب، لكنه في الوقت ذاته يتلمس الفقر الذي تعيشه بلاده، ما يدفعه في كثير من الأحيان إلى إيقاف حرب الدفاع عن رأيه، ووحدها أصوات المعارضين تعلو في هذا النقاش، وبشكل ودي، فالطرف الثاني لا يتمسك برأيه في الغالب.