شتات من الأفكار والتصورات بين الفلسطينيين اليوم إزاء استحقاق أيلول وفكرة الذهاب للأمم المتحدة لمحاولة الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران 1967. مع ذلك تبدو الجدالات عن الموضوع ومن حوله مع مشروعيتها وضرورتها، خارجة عن السياق والمألوف أحياناً: بعض الفلسطينيين ينطلق في قراءته للموضوع من قناعة غريبة، ترى السعي لإقامة الدولة الفلسطينية في حد ذاته، ومن بعده اعتراف الأممالمتحدة أهدافاً للرئيس الفلسطيني أبو مازن، فتراه يبشر سلفاً بأن أبو مازن سوف يحصد الخيبة!! هي ذهنية تشحذ أسلحة كثيرة لتعزيز حافزها الأهم من وجهة نظر أصحابها، وهو هنا المناكفة المعتادة بين القوى الفلسطينية، الى الحد الذي لا ترى معه خيطاً يفصل بين تلك المماحكات الحزبية والسياسية، وبين ما هو وطني يفترض أن يجمع الجميع، وهي تبعاً لذلك ترى الخيبة للرئيس أبو مازن وليس للشعب الفلسطيني وقواه السياسية، مجتمعة ومنفردة على السواء. لست من الذين يعتقدون أن الطريق إلى الأممالمتحدة سيكون مفروشاً بالورود، وسيتمخض عن اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، بل إن حدوث ذلك ليس سوى فكرة غير سوية تنطلق من ذهنية لا علاقة لها بالواقع. ومع ذلك، لا أرى أن عوائق نيل الاعتراف، وفي مقدمها الفيتو الأميركي، توجب أن تثني القيادة الفلسطينية، بل العكس تماماً هو الصحيح، أي أن استحقاق أيلول هو في جانبه الأهم معركة سياسية يفترض أن تجتمع حول أهدافها مختلف القوى السياسية، ناهيك عن أن المواقف الدولية، بما فيها الموقف الأميركي المعادي، والذي يهدد علناً ومسبقاً بالفيتو، ليست قدراً إلهياً لا يمكننا محاولة تغييره. السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص تجاه قضية فلسطين، سياسة منحازة في صورة كلية لإسرائيل. هذا ليس اكتشافاً، ولكنها في الوقت ذاته ليست سياسة معزولة عن تطورات الواقع، أي أنها ليست عصية على التأثر، فالطرف الفلسطيني يستطيع بذهابه للأمم المتحدة وبتكراره طلب الاعتراف وبحشد التأييد الدبلوماسي والسياسي، أن يحرج السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وأن يدفعها للتقليل من عدائها للأهداف الفلسطينية المشروعة، ومنها بالذات هدف إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة. ليس من المبالغة أن أقول هنا إن من يطالبون القيادة الفلسطينية بالكف عن محاولة الذهاب للأمم المتحدة تحت شعارات كبرى تزايد عليها وتتهمها بالاستسلام، إنما هم في الواقع العملي يدعوننا للاستسلام في صورة مبطنة، لسبب بسيط هو أنهم يدعوننا علناً للقبول بواقع نهائي للسياسة الدولية لا يتغير وليس بإمكاننا تطويره، ما يعني المراوحة في المكان وفي السياسة، ولا يهم بعد ذلك أن تكون تلك المراوحة مغلفة بأطنان الشعارات الكبرى، ومنها بالطبع شعارات «تحرير كامل التراب»، التي يرى البعض أنها هي وليس غيرها من يمكنها أن تنتصر وأن تأخذنا الى بر الأمان. في الجدالات الفلسطينية اليوم مروحة كبرى من المشاريع البراقة ولكن الوهمية، منها على سبيل المثال لا الحصر دعوة البعض الى مطالبة الأممالمتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية في حدود خارطة التقسيم، وهي دعوة أقل ما يقال فيها إنها تنطلق من خارج الكفاح الفلسطيني وحركته السياسية والديبلوماسية على مدار العقود الأربعة الماضية، فأصحاب هذه الدعوة يتجاهلون أن الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني قد جاء وفقاً لتفهم دول العام لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية والذي أجمعت عليه مختلف القوى والفصائل والأحزاب، وهو بهذه الكيفية ليس مجرّد سطور وكلمات يمكن تبديلها بيسر وسهولة وفرضها على العالم ونيل اعترافه بما يخالفها. أعتقد أن ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم وأكثر من أي وقت سابق هو بالذات أن يتوحدوا حول هدفهم الوطني. لا أعني هنا أن يوافقوا وحسب، فذلك متحقق وموجود، ولكن أن يغادروا مقاعد الموافقة الى المساهمة. كثير من القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية يوافق على هدف إقامة الدولة، ولكنها واقعياً تتعامل معه باعتباره يخص أبو مازن وفتح والسلطة، أي ان موافقتها تظل نوعاً من الكلام ليس إلا، ومن دون أن تترجم إلى مساهمة سياسية كفاحية يمكن أن تغني الفعل الفلسطيني وترتقي به الى مستويات واقعية. * كاتب فلسطيني