يوم الاثنين الماضي، نشر الكاتب المصري الدكتور صبري حافظ مقالاً في جريدة «القدس العربي» بعنوان «بؤس المثقف»، أشار فيه الى أن مصر «عاشت على مدى أربعة عقود مرحلة مستمرة ومتواصلة من التردي والهوان». وقال: «وبدلاً من أن يكون المثقف ممثلاً لضمير الأمة وحارساً لقيمها العقلية والأخلاقية، أصبح... ينقض بشراسة على من يعارضه أو يكشف عريه من المصداقية والشرعية. وينطلق.... في وجه من تسوّل له نفسه قول الحقيقة». حافظ تملكته قسوة الغيّور، ورسم صورة قاتمة لحال الثقافة المصرية، وكاد أن يعمم، رغم أن مرحلة التردي التي تحدث عنها في عصر مبارك لا تجيز تغييب صورة مشرقة وأصيلة لصحافيين وكتّاب ومثقفين وفنانين مصريين شرفاء. وهو فاتته الإشارة الى ان الكارثة جاءت في الأساس من بعض ما يسمى «الصحافة المصرية المستقلة»، الذي اصبح سوقاً صفراء للكلمة، ومن ترويج الإفلاس المهني، حتى أن الكاتب المصري مأمون فندي وصف هذه الصحف ب «عزبة شلبي» التي تُفَكّك فيها السيارات المسروقة، ويُعاد تجميعها لإخفاء السرقة. بل إن فندي طالب في مقال له في «الشرق الأوسط» بعنوان «صحافة عزبة شلبي» بنقل الصحافيين العاملين في هذه الصحف، من نقابة الصحافيين إلى «نقابة صحافة المدن الصناعية»، ونقيبها قد يكون «مصطفى أنبوبة» أو «الواد بليه العجلاتي». لا شك في ان هذه الصحافة زيّفت صورة مصر والمصريين، وهي تفننت في توتير علاقة شعوب عربية بمصر، وعزفت على وتر عاطفة مفتعلة، ومارست دور المنافق الذي «إذا حدّث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر». وخلال السنوات الماضية كان لها دور مدمر، ووضعت المصريين في موقع الساذج، أو المنفعل أو المستجدي، وروّجت لمفاهيم وقيم خطيرة. واليوم تعود «صحف العزبة» الى تكرار سيرتها الأولى ولكن تحت شعار الحرية، على رغم أن التزييف والتضليل يناقضان الحرية. الأكيد أن الثورة المصرية أزاحت الستار عن جيل مبهر ومشرّف من شباب مصر الذين غُيِّبوا على مدى عقود. جيل مؤمن بأن الحرية ممارسة وليست مجرد شعارات جوفاء. هذا الجيل هو الذي يجب ان يتصدر المشهد الإعلامي والصحافي في بلده. مصر ملّت فوضى العشوائيين، والعشوائيات، وباتت تحن الى أمجاد «المعادي».