تنتهي المباراة، ومعها تنتهي التنظيمات.. 51 ألف متفرج يغادرون الملعب ذاته، باتجاه ممرات ضيقة كلها تقود إلى خارجه، لكن أياً منها لا يقودك إلى حيث يفترض أن تكون، الأكيد أنك لن تعرف آلية الوصول إلى فندقك، لذلك رافق الغالبية. جماهير ألمانيا التي غادرت ملعب «فونتي نوفا» مرددة أهزوجة «دوتش لاند» ابتعدت عن الملعب إلى حيث تقودهم الأزقة، لكنهم متى وجدوا ساحة واسعة للاحتفال توقفوا واحتفلوا فيها. البقية من جماهير البرتغال أو تلك الحاضرة لمتابعة متعة كروية دونما انتماء، سارت مع الحشود. الأزقة لا تحكي حقيقة كأس العالم.. ممرات ضيقة.. باعة ومتجولون.. ورجال أمن يطوقون المكان، ومن حيث لا تدري تسير بين الحشود كلاب شاردة دونما خوف أو أذى. حشود تسير باتجاه وبلا اتجاه، مخمورون وغيرهم يبحثون فقط عن ساحات للاحتفال، وجماهير استمعت للتو بمباراة كرة قدم تبحث عن راحة يوافرها فندق هادئ! الغريب أن نقطة الخروج الأولى من الملعب تتمثل في طريق غير ممهد ولا مخصص للسير، لكن الجميع يسير باتجاهه في ظل غياب أي طريق آخر. يستمر السير إلى حيث لا يدري أحد.. الغالبية تسير إلى نحو ما يعتقدون أنه يوصلهم إلى منطقة خالية من الزحام، وعندها سيجدون حافلة أو تاكسي تقلهم إلى حيث يريدون.. الأماكن الغريبة التي تمرّ بها تقول إن الأمور لا تعرف التنظيم، فأهالي الأحياء الفقيرة يحتفلون بالجماهير الفائزة دونما امتعاض، وأحدهم يحاول الخروج بسيارته من الحي لكنه يفشل، فيستسلم ويمكث في سيارته بانتظار زوال الحشود. على جنبات الطريق مطاعم وحانات تستغل الزحام للتسويق لنفسها، وفي منتصفه ساحة كبيرة تشهد فعاليات احتفال لجماهير المباراة المقامة في السلفادور، وبينهم كمّ كبير من جامعي العلب الفارغة، وبائعي المشروبات الغازية. أطفال الأحياء يركضون بين المارة، بعضهم يلعب بالكرة والآخر يلتقط صوراً تذكارية مع الجماهير، وأهالي المنازل المجاورة يطلون من النوافذ لمتابعة مشهد زحام لا يعرفونه، الصورة أقرب إلى فيلم سينمائي يصور مدينة فقيرة غزاها للتو جيش إمبراطورية أوروبية عريقة.. واستسلام تام لأهالي المنطقة وسط احتفال ألماني ضخم. الأمور تمر بسلام، والجماهير الفائزة والخاسرة تحيي بعضها، والجميع يبدو سعيداً. المؤكد أن أحداً لم يتدخل لضمان سلامة الأمور، فرجال الشرطة المنتشرون حول الممرات يكتفون بمراقبة الحشود من دون تدخل أو توجيه.