استضافت باريس مساء أمس مؤتمراً كبيراً ل «أصدقاء ليبيا» حصل فيه المجلس الوطني الانتقالي الذي يمثّل الثوار على دعم واضح من المجتمع الدولي في جهوده لبناء دولة ديموقراطية على أنقاض «جماهيرية» العقيد معمر القذافي الذي أعلن في كلمة صوتية بعد ظهر أمس تمسكه ب «مقاومة» الحكم الجديد في طرابلس، محذّراً من «معركة طويلة» ضد الثوار ومن أن القبائل التي تدعمه لن تسمح لقوات المجلس الانتقالي بالتقدم نحو «قلاعها المحصنة». وهذه ليست المرة الأولى التي يتسعين بها القذافي بالقبائل التي يقول إنها تدعم نظامه. ويعتقد الثوار بأن الزعيم المخلوع يختبئ حالياً لدى مناصرين له من قبيلة الورفلة في بني وليد جنوب شرقي طرابلس. وجاء ذلك في وقت اعلن الثوار منحهم مناصري القذافي مهلة أسبوع جديد للاستسلام بعدما كان من المقرر أن تنتهي المهلة يوم السبت يبدأ بعدها هجوم كبير على مسقط رأس القذافي في مدينة سرت. وكان لافتاً أن رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الانتقالي محمود جبريل شدد أمس أمام مؤتمر باريس الذي شارك فيه ممثلو 60 دولة ومنظمة، «على اللحمة الوطنية» بين الليبيين بعد سقوط القذافي، في إشارة إلى أن الثوار لن يلجأوا إلى الانتقام من مؤيدي النظام السابق. أما رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل فقد شرح، من جهته، رؤية الثوار لمرحلة ما بعد القذافي، مؤكداً أن الحكم الجديد سيلتزم تطبيق نظام ديموقراطي يحترم حقوق الإنسان. وطلب عبدالجليل من المجتمع الدولي الاستمرار في تقديم المساعدة للحكم الجديد بعد المساعدات التي قُدّمت خلال المرحلة العسكرية من القتال ضد قوات القذافي. وشدد على أن المجلس يتمسك بالإسلام المعتدل البعيد عن التطرف. وأكد متحدثون في المؤتمر أن المجتمع الدولي سيواصل تقديم الدعم للحكم الجديد ودعوا الثوار إلى القيام بمصالحة وطنية في البلاد وإلى الامتناع عن الانتقام من حكم القذافي المخلوع. وأكد ملك الأردن عبدالله الثاني استعداد بلاده لتقديم مساعد في مجال تدريب الشرطة الليبية الجديدة وفي ميدان التعليم. أما الرئيس نيكولا ساركوزي فقال في كلمته الافتتاحية القصيرة في قصر الاليزيه إن بلاده والمجتمع الدولي قدّموا كل يمكن تقديمه لحماية الليبيين من بطش حكم القذافي ولكن الآن بعد سقوط النظام بات الأمر من مسؤولية الليبيين أنفسهم كي يبنوا بلداً ديموقراطياً يحترم حقوق الانسان. وحضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، من جهتها، الحكم الجديد على السعي من أجل المصالحة لا الانتقام بعد انتصارهم على القذافي ووعدت بتقديم المساندة لانتقال البلاد إلى الديموقراطية. وقالت كلينتون إن الحملة العسكرية لحلف شمال الاطلسي يجب أن تستمر ما دام المدنيون في خطر لكن عقوبات الاممالمتحدة على ليبيا يجب رفعها بطريقة رشيدة ويجب منح الزعماء الجدد مقعد ليبيا في مجلس الأمن التابع للامم المتحدة. ونقلت «رويترز» عن كلينتون قولها في مؤتمر باريس: «العمل لن ينتهي بنهاية نظام قمعي. فالفوز في الحرب لا يضمن الفوز بالسلام بعد ذلك. وما يحدث في الأيام المقبلة سيكون حاسماً». كذلك أعلن الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون انه يؤيد ارسال بعثة بسرعة الى ليبيا. وقال أمام المؤتمر: «اعتزم العمل مع مجلس الأمن الدولي بصورة وثيقة لتكليف بعثة من الاممالمتحدة يفترض ان تبدأ عملياتها في اقرب مهلة ممكنة». وأعلن في بيان وزعته الاممالمتحدة عن عقد اجتماع على اعلى مستوى حول ليبيا في 20 ايلول (سبتمبر) على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة التي تبدأ في 13 من الجاري في نيويورك. وقال بان إن «التحدي الآن انساني. غادر نحو 860 الف شخص البلاد منذ شباط (فبراير)، بمن فيهم العمال الاجانب. الخدمات العامة متدهورة وخصوصاً المستشفيات والمراكز الصحية وهناك نقص في المياه». وعدا الحاجات الانسانية المباشرة، قال بان انه طلب من مستشاره الخاص للتخطيط لفترة ما بعد النزاعات ايان مارتن الاعداد لبعثة تتوجه الى ليبيا مباشرة بعد مؤتمر باريس. وقال «الشعب الليبي هو الذي ينبغي أن يقرر مصير ليبيا»، مضيفاً أن المجلس الوطني الانتقالي الممثل للثوار والذي بات يسيطر على معظم اراضي البلاد، حدد مجالات المساعدة ومنها الحوار السياسي وتنظيم انتخابات وتعزيز سلطة الدولة وحماية حقوق الانسان. وقال بان الذي التقى الاسبوع الماضي ممثلين عن الاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي إن «الكل متفق أن على المجتمع الدولي ان يتحد في هذا الوقت العصيب خلف برنامج عمل جيد التنسيق» برعاية الاممالمتحدة. وفي الاجمال، شارك في مؤتمر باريس 13 زعيم دولة و18 رئيس حكومة و18 وزيراً أو موظفا كبيرا يمثلون ما مجموعه 49 دولة اضافة الى ممثلين عن ثماني منظمات دولية يشاركون في المؤتمر. وفي الساعات التي سبقت القمة، تكثفت مؤشرات الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا. فقد اعترفت روسيا بالهيئة السياسية التي تمثل الثوار ك «سلطة حاكمة». وحذت بكين التي كانت امتنعت مثل موسكو اثناء التصويت على القرار 1973 في مجلس الامن الدولي الذي سمح بالتدخل العسكري، حذو روسيا وقالت انها «تولي اهمية لموقف ولدور المجلس الوطني الانتقالي في حل الازمة الليبية». في غضون ذلك، أعلن العقيد القذافي انه مستعد لخوض «معركة طويلة» ضد الثوار والحلف الاطلسي حتى لو «اشتعلت» ليبيا، ودعا انصاره الى الاستمرار في القتال. وقال في كلمة صوتية مسجلة بثتها قناة «الرأي» بعد ظهر أمس: «إذا ارادوا معركة طويلة فلتكن معركة طويلة. اذا اشتعلت ليبيا من يستطيع ان يحكمها؟ فلتشتعل». وتعهد أن الثوار لن يتمكنوا من حكم ليبيا لوحدهم واتهمهم مجدداً بأنهم «خونة» وعملاء ل «الاستعمار». وأكد أن القبائل الليبية المؤيدة له مسلحة تسليحاً جيداً وأن الثوار لن يتمكنوا من دخول مناطقهم، وقال: «الآن اصبح هناك توازن قبلي مسلح». ودعا مناصريه إلى شن هجمات على مواقع الثوار، قائلاً: «قاتلوا، اهجموا عليهم، افتكوا سلاحهم. هم حفنة عملاء لا مدد لهم». وتابع «سننتصر في المعركة في النهاية، المستعمر سوف يعود الى بلاده والعملاء سينتهون». وكانت كلمة القذافي قريبة في فحواها من كلمة ابنه سيف الاسلام الذي تحدث مساء الأربعاء إلى قناة «الرأي» أيضاً داعياً إلى شن هجمات على الثوار أينما كانوا، مؤكداً أن القبائل الليبية مؤيدة لوالده. لكن كلمة كل من القذافي وسيف الإسلام كانت مختلفة إلى حد كبير من كلمة أخرى للساعدي القذافي النجل الآخر للعقيد الليبي. فقد قال الساعدي لقناة «العربية» مساء الأربعاء أنه يتحدث بتفويض من والده وانه بالفعل أجرى اتصالات بقادة الثوار الذي أشاد ب «كفاءاتهم» كون كثيرين منهم كانوا يعملون في ظل حكم والده.