مع اقتراب موعد لجوء الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة، ارتفعت درجة النقاش الدائر في أوساط النخب السياسية في شأن جدوى هذه الخطوة التي يراها كثيرون خطوة تاريخية. ووجهت مجموعة من الشخصيات السياسية المستقلة أخيراً مذكرة إلى الرئيس محمود عباس طالبته فيها بنقل كل الملف الفلسطيني إلى المنظمة الدولية وليس فقط المطالبة بالعضوية في المنظمة الدولية. وجاء في المذكرة: «مع التأكيد على أهمية المبادرة الديبلوماسية الفلسطينية في الأممالمتحدة، ومن أجل نجاحها في تشكيل منعطف إستراتيجي في ظل وصول المفاوضات الثنائية إلى طريق مسدود ... فإن هذه المبادرة يجب أن ترتبط بنقل القضية الفلسطينية بكل أبعادها وجوانبها إلى الأممالمتحدة، بما يكفل الحفاظ على الحقوق الوطنية، بما في ذلك تلك التي تضمنتها قرارات الأممالمتحدة منذ بدء الصراع وحتى الآن، وفي مقدمها القراران الرقم 181 و194، مع وجوب تحمل الأممالمتحدة مسؤولياتها بموجب ميثاقها». وطالبت مجموعة الشخصيات المستقلة بأن تؤكد المبادرة الفلسطينية في الأممالمتحدة جميع الحقوق الفلسطينية، خصوصا حق عودة اللاجئين وحق تقرير المصير، وحق الاستقلال الوطني والسيادة في دولة مستقلة، مشيرة إلى أن «هذه الحقوق معترف بها من الأممالمتحدة كحقوق غير قابلة للتصرف بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194 في 11 كانون الأول(يناير) عام 1948، وقرار الجمعية العمومية الرقم 323 في 22 تشرين الثاني( نوفمبر) عام 1974». وقالت إن حق تقرير المصير هو حق جماعي لكل الفلسطينيين، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي. ودعت إلى الحفاظ على دور منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والمنفى، والجهة المخولة المطالبة بالحقوق الرئيسة للشعب الفلسطيني، وأن تحافظ المبادرات الديبلوماسية كافة، بما في ذلك مبادرة الأممالمتحدة في أيلول (سبتمبر)، على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الأممالمتحدة، وأن تحمي وتعزز حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. تقرير المصير والعودة وجاءت هذه المذكرة في أعقاب نشر وسائل الإعلام الفلسطينية رأياً قانونياً مستقلاً شكك في نتائج المبادرة الفلسطينية. وجاء في الرأي القانوني الذي قدمه الخبير البريطاني الشهير البروفيسور غاي غودوين - جيل الذي يعمل في جامعة أوكسفورد بأن المبادرة ستؤدي إلى نقل تمثيل الشعب الفلسطيني في الأممالمتحدة من منظمة التحرير الفلسطينية إلى دولة فلسطين، ما يقود إلى إلغاء الوضعية القانونية التي تتمتع بها منظمة التحرير في الأممالمتحدة منذ عام 1975. وأضاف أن ذلك سيقود إلى وضع لن تكون فيه مؤسسة قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني بأكمله في الأممالمتحدة والمؤسسات الدولية المتصلة بها. ورأى أن ذلك سيؤثر سلباً على تمثيل حق تقرير المصير، وسيهدد بشكل كبير حق اللاجئين للعودة إلى ديارهم. وما أكسب رأي البرفسور غودوين - جيل أهمية كبيرة لدى الرأي العام الفلسطيني، خصوصاً في أوساط النخب السياسية، هو أنه كان عضواً في الفريق القانوني الذي فاز في محكمة العدل الدولية عام 2004 في قضية لا قانونية الجدار الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. ويشارك العديد من الخبراء الفلسطينيين غودوين - جيل رأيه، إذ قال مدير مركز «عدالة»، الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جبارين إن الخطوة الفلسطينية تنطوي على محاذير كبيرة، موضحاً ل «الحياة» أن «حصول الفلسطينيين على اعتراف من الأممالمتحدة بدولة مستقلة على حدود عام 1967 ستكون له آثار سلبية على الحقوق الفلسطينية الأخرى التي حفظتها قرارات سابقة للأمم المتحدة، مثل اللاجئين والقدس والأرض الواقعة بين خط التقسيم و«الخط الأخضر». وأضاف: «القرار 181 يعطينا أكبر بكثير من دولة مستقلة على حدود عام 1967، يعطينا خط التقسيم»، وتابع: «كما أن القدسالغربية ستذهب في القرار الجديد لإسرائيل، علماً أن القرار 181 يجعلها دولية». ورأى انه طالما أن لدينا قرار التقسيم الذي ينص على إقامة دولتين، ويعطي الفلسطينيين مساحة أكبر من ال 1967، فإن الذهاب إلى قرار جديد يعطينا أقل من ذلك، سيكون تراجعاً وليس تقدماً، خصوصاً أن كلا القرارين لن يطبق». واعتبرت البروفيسورة في جامعة أكسفورد كرمة النابلسي التي نقلت رأي البروفيسور غودوين - جيل إلى الأراضي الفلسطينية، أن الخطوة الفلسطينيةالجديدة قد تؤدي إلى خسارة حقوق أساسية، خصوصاً أننا لن نحصل على الدولة على الأرض. وقالت: «أولاً، لا توجد لدينا أرض محررة بإمكاننا تأسيس دولة عليها. لكن بخسارة منظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي والوحيد في الأممالمتحدة، يخسر أبناء شعبنا فوراً تمثيل قضايانا كلاجئين كجزء لا يتجزأ من تمثيلنا الرسمي المعترف به عالمياً». وأضافت: «نحن بحاجة إلى موقف واضح من منظمة التحرير في هذه المسألة البالغة الأهمية، ومن الضروري أن تعطى الجماهير الفلسطينية في كل مكان، خصوصاً اللاجئين في الشتات، ضمانات بأنه لن يتم في أيلول (سبتمبر) المس بتمثيل الحقوق الفلسطينية الأساسية وحق التمثيل والعودة خصوصاًَ». لكن القيادة الفلسطينية ترى في هذه المخاوف مبالغة غير مبررة، وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور حنان عشراوي ل «الحياة»: «وصلتنا هذه الآراء والمخاوف، وعرضناها على فريقنا القانوني ولم يجدها حقيقية». وأضافت: «أن حصولنا على عضوية المنظمة الدولية لن يسقط حقوق اللاجئين بل على العكس سيؤكدها. وحصولنا على قرار جديد لن يسقط القرارات الأخرى التي تحفظ حقوقنا، خصوصاً حقوق اللاجئين».