أخذت الأزمة داخل الحكومة اللبنانية حول ملف تأهيل الكهرباء بعداً سياسياً على رغم ان ما دار من نقاش في شأنها واختلاف وجهات النظر خلال 3 جلسات حكومية وواحدة وزارية، كان «تقنياً» كما يقول وزراء «جبهة النضال الوطني» النيابية التي يتزعمها النائب وليد جنبلاط، فضلاً عن المناقشات التي شهدتها الجلسة النيابية التي عقدت قبل أكثر من أسبوعين. وما نقل الخلاف الى البعد السياسي هو أن ما آلت اليه الأمور نتيجة الخلاف بين وزير «التيار الوطني الحر» وزير الطاقة جبران باسيل ونواب «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي الذي يتزعمه العماد ميشال عون من جهة وفريق «جبهة النضال الوطني» من جهة ثانية، وضع مشروع الكهرباء في مستوى قضية شهود الزور التي كانت أدت عند طرحها قبل سنة في حكومة الرئيس سعد الحريري الى شل الحكومة، ما أوصل الصراع السياسي في حينها الى مرتبة «القرار لمن في مجلس الوزراء» عندما اشترط وزراء 8 آذار في حينها البت بهذا الملف وإحالته الى المجلس العدلي وإلا لن يحضروا جلسات مجلس الوزراء، وصولاً الى استقالتهم من الحكومة في 10 كانون الثاني 2011 للإطاحة بالحريري. وتشير مصادر وزارية الى ان ما يدفع الى تشبيه الخلاف على ملف الكهرباء بملف شهود الزور ان وزراء التيار العوني ولا سيما باسيل اشترطوا منذ جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 11 آب (أغسطس) ثم في الجلستين اللتين عقدتا هذا الأسبوع، البت بمشروع الكهرباء واحالته الى المجلس النيابي وإلا غادروا الجلسة. وأدى تكرار طرح هذا الشرط الذي جدد إثارته باسيل أول من أمس مستبقاً جلسة 7 أيلول (سبتمبر) المقبل الى طرح وزير الأشغال غازي العريضي السؤال على رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي ووزراء «حزب الله»: «حين طرح الشرط نفسه في قضية شهود الزور كان الهدف إطاحة الحريري من رئاسة الحكومة، وطرحه الآن يستهدف اطاحة من في ظل الحكومة الحالية؟ وهل يرمي الى أن ينقلبوا على أنفسهم؟ كما ان مصادر وزارية تساءلت عما اذا كان الهدف هو أن يكرّس العماد عون مبدأ ربط مصير الحكومة وعملها والأكثرية بأي أمر يرغب في اقراره داخل مجلس الوزراء. وهو ما دفع جنبلاط الى القول أنه لا يمشي بالتهديد حتى لو أدى ذلك الى تهديد الحكومة والأكثرية... كما ان الرئيس سليمان شعر بأن ثمة افتئاتاً على صلاحيته في إدارة جلسة مجلس الوزراء، الثلثاء الماضي، حين رفض شرط باسيل البت بملف الكهرباء تحت وطأة انسحابه ووزراء «التيار الوطني» من الجلسة فأصرّ على بحث جدول الأعمال أولاً ثم مناقشة مشروع الكهرباء لاحقاً، حيث ترك المناقشات تأخذ مداها، فكانت النتيجة تأجيل البت بالملف مع حصول نقاش في شأنه داخل مجلس الوزراء. لكن مفعول التهديد بالانسحاب من الجلسة من قبل وزراء عون رداً على موقف وزراء جنبلاط دفع الوزير العريضي الى التشدد تحت عنوان عدم الخضوع للتهديد الذي تحدث عنه جنبلاط فرفض الموافقة على مشروع الكهرباء بعد التعديلات، إذا لم تتضح صيغة إدارته لضمان حسن توظيف الأموال التي سترصد له (بليون و200 مليون دولار)، وحسن تنفيذه. ورفض الإبقاء على هذه النقطة معلّقة، على رغم كل الوساطات التي بذلت معه، بما فيها وساطة «حزب الله». وكان سبق كل ذلك تلميح الوزير باسيل في الجلسة الوزارية التي عقدت الاثنين الماضي لعرض المشروع من قبله بمعاونة خبراء، الى انه يستغرب معارضة أطراف من الحكومة له وإبداء ملاحظات عليه على رغم موافقتهم عليه في حكومة الحريري. وقال باسيل: «يقال لنا ان الملاحظات تقنية لكننا بدأنا نتساءل اذا كانت خلفية معارضته سياسية». وأثار هذا الأمر حفيظة العريضي الذي سأله: «من تقصد؟ هل تقصدنا نحن؟ عليك أن تسمي». فأجاب باسيل: «لا أقصدكم». وحين كرر باسيل التلميح مجدداً كرر العريضي طرح السؤال عليه فكرر باسيل الجواب لكن العريضي لم يكتف به وأدلى بمداخلة مطولة انتقد فيها باسيل وأداءه ورفض منطق «إما توافقون على مشروعي الآن أو تتهمون بعرقلة تأهيل الكهرباء». وبلغ السجال حدة دفعت حلفاء عون الى الطلب من باسيل ترك أمر الرد على استفسارات وزراء «جبهة النضال» وغيرهم الى وزراء «حزب الله» و «أمل» محمد فنيش، حسين الحاج حسن، وعلي حسن خليل في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت الثلثاء فأخذوا على عاتقهم الدفاع عن المشروع والرد على الأسئلة التي كانت توجه الى باسيل، لعلّ التوتر الذي نجم عن السجال بين باسيل والعريضي ينحسر للسماح بإقرار المشروع وإحالته الى البرلمان الذي كان سيعقد في اليوم التالي. لكن العريضي أصر على التحفظ عنه في غياب الوضوح حول صيغة ادارته. وقال العريضي: «لمن لا يعرف موقفنا التاريخي من ملف الكهرباء فنحن لدينا تحفظات على طريقة ادارته منذ أواسط التسعينات وكنا نطرح ملاحظاتنا حتى في عهد حليفنا الكبير والرجل المخلص الرئيس رفيق الحريري. وعلى الطاولة الآن وزراء كانوا في الحكومة في حينها، سبق أن سمعوا تحفظاتنا قبل سنوات عدة على مشكلة الكهرباء المزمنة. وإبداؤنا الملاحظات الآن ليس جديداً لكي يعتبر البعض ان المقصود عرقلة أي مشروع والمشروع الحالي نحن أول من أيدناه منذ سنوات لوقف الهدر المالي الذي يسببه في خزينة الدولة»... وتقدم وزير الاقتصاد نقولا نحاس باقتراحات في شأن صيغة إدارة المشروع لم يؤخذ بها من قبل مؤيدي المشروع، وحين حاول الوزير علي حسن خليل اقتراح اقرار المشروع في مجلس الوزراء، بعد التصويت عليه وتحفظ وزراء «جبهة النضال» وافق العريضي، باعتبار ان نواب الجبهة سيصوتون ضده إذا لم يتم توضيح صيغة إدارة خطة تنفيذ تأهيل الكهرباء. إلا أن الرئيس ميقاتي تنبه الى ان رئيس البرلمان نبيه بري كان أبلغه أنه إذا لم تأتوا الى المجلس النيابي باتفاق على المشروع من الأفضل ألا تنزلوا الى البرلمان، وعندما أصر الوزير باسيل على التصويت على المشروع ليتم درسه في الجلسة النيابية في اليوم التالي زاد ميقاتي: «على كل حال الرئيس بري أبلغنا انه لن يحوّله على الهيئة العامة لمناقشته بل سيطرحه على اللجان النيابية أولاً فاعترض باسيل بحجة ان المشروع أشبع درساً ولا يحتاج الى اللجان». لم تفلح محاولات التوافق في الجلسة الاستثنائية التي عقدت في اليوم التالي، قبل ساعتين من انعقاد البرلمان في التوصل الى توافق على صيغة لإدارة المشروع ما أدى الى تأجيل الجلستين معاً، وهذا يعني تعليق الحسم في ما يخص القرار لمن، في انتظار إيجاد مخرج للخلاف. وفي وقت لا ينوي عدد من الوزراء الحلفاء لعون الالتزام معه بمبدأ الامتناع عن حضور جلسة مجلس الوزراء في 7 أيلول، فإن مصادر بري تنقل عنه ضرورة إجراء اتصالات بعيدة من الأضواء قبل هذا التاريخ بهدوء وبعيداً من الضجيج الإعلامي.