منذ شيوع نبأ مقتل جنود مصريين على ايدي القوات الإسرائيلية في سيناء، على الحدود بين الجانبين، ليل الخميس الماضي، يتظاهر الآلاف يومياً أمام مقر السفارة الاسرائيلية في القاهرة، للمطالبة بطرد السفير. واجرى المتظاهرون محاولات حثيثة لفض الطوق الأمني الذي فرضته قوات الجيش من أجل اقتحام البناية التي تضم مقر السفارة، لكن دون جدوى. وحافظ ضباط وجنود الجيش المكلفون تأمين مقر السفارة على درجة عالية من ضبط النفس، وبدوا حريصين على عدم الاصطدام بالمتظاهرين. حتى إن قادة كبار في الجيش خاطبوهم أكثر من مرة، مؤكدين أن قوات الجيش لا تنفصل أبداً عن المتظاهرين ومطالبهم. وأمام الحرص المتبادل على عدم المواجهة بين الجانبين لجأ المحتشدون إلى وسائل مبتكرة من أجل إنزال علم إسرائيل من فوق مقر السفارة، فأحضروا مئات من عبوات المفرقعات والألعاب النارية وظلوا يطلقونها مستهدفين العلم الذي يعلوهم حوالى 70 متراً، من أجل إحراقه لكن محاولتهم باءت بالفشل. بعدها تعلقت الأعين بطائرة ورقية ترفرف في السماء محاولة «اصطياد» العلم، لكن من دون جدوى. ووسط الحشود كان شاب عشريني يدعى أحمد الشحات يراقب الموقف. هو ذو لياقة بدنية ومهارة في التسلق اكتسبها من عمله. ظل يرصد البناية التي تضم مقر السفارة، وما حولها، إلى أن اختمرت الفكرة في رأسه فقرر اعتلاء البناية واستبدال العلم الإسرائيلي بعلم مصر. وفعلاً لف ظهره بعلم بلاده وتسلق البناية المجاورة لسفارة إسرائيل التي وصل إليها في لحظة تبديل الورديات الأمنية. وما أن اجتاز نحو 30 متراً فيها عبر التشبث بشرفاتها حتى لاحظته الجماهير المحتشدة التي ظلت ترقبه بشغف. فتوقفت الهتافات برهة وغابت الاحتكاكات والشد والجذب بين المتظاهرين وقوات الجيش. وتعلقت الأنظار بهذا الشاب الذي ما أن أتم الوصول إلى سطح البناية المجاولة لسفارة إسرائيل حتى تعالت الصيحات المشجعة له. ثم تسلق سلماً حديدياً أوصله إلى سطح البناية التي تعلوها سفارة إسرائيل. ونزع علمها فعمت الفرحة الجماهير المحتشدة وكأنها ساعة نصر جديدة. وبعد أن هبط الشحات طابقين من البناية المكونة من 21 طابقاً تذكر أنه لم يرفع علم مصر فعاد ورفع علم بلاده الذي رفرف لساعات للمرة الأولى منذ سنوات في هذا المكان. وبعد أن أنجز المهمة بدأ الشحات رحلة العودة إلى الأرض لتستقبله العائلات في شرفات منازلها بالترحاب وبدلاً من استمرار الهبوط عبر واجهة البناية استقبلته إحدى العائلات في منزلها ونزل إلى الجماهير من خلال سلم البناية، ليجد احتفالاً غير عادي في انتظاره، إذ رفعته الجماهير على الأعناق وحمته من السلطات الأمنية وظل الحشد يردد «ارفع راسك فوق... إنت مصري». وكان الشحات أمس بطل وسائل الإعلام التي احتفت به. وعقد مؤتمراً في نقابة الصحافيين تحدث فيه عن عفوية تصرفه وعدم انتمائه إلى أي تيار سياسي، لتدشن هذه الواقعة مرحلة جديدة في العلاقات بين مصر وإسرائيل. فمن نفذ هذا الاختراق الأمني وأنزل علم إسرائيل من على مقر سفارتها في القاهرة بات ليلته خارج أسوار السجون وهو الآن في حماية الشعب وثواره.