استغرق الشاب المصري أحمد الشحات أقل من 20 دقيقة ليتسلق 22 طابقاً في بناية تضم في أدوارها الثلاثة الأخيرة مقر السفارة الإسرائيلية بالجيزةجنوبالقاهرة بين نهر النيل والمدخل الرئيسي لحديقة حيوان الجيزة، حيث تقبع على مقربة من جامعة القاهرة. حبست الخطوة غير المتوقعة من الشاب خلال تلك الدقائق القصيرة أنفاس ما يقرب من 10 آلاف مصري كانوا يتجمعون أمام السفارة طيلة يومين منادين بتنكيس العلم الإسرائيلي وطرد السفير رداً على جريمة قتل عدد من الجنود المصريين على الحدود برصاص إسرائيلي. بدأت الأحداث عندما فوجئ الموجودون في الساعة الواحدة والنصف فجراً بشاب نحيف يبدو في السنوات الأولى من عقده الثاني يتسلق بسرعة ومهارة البناية الشاهقة دون أن يستعين بأي معدات حاملاً علماً مصرياً مربوطاً في عنقه ومدلى على ظهره. في البداية لم يدرك البعض غايته وطالبه كثيرون بالنزول خوفاً على حياته خاصة وأن المكان غير مجهز بوسائل إنقاذ مناسبة لكنه استمر في التسلق بأسلوب خبير كان كل الحاضرين يتابعونه بإعجاب ويرصدون كل حركة منه رغم العتمة التي تغلف المكان ووسط هتافات مستمرة «يارب» «الله أكبر» مع وجود تعليمات جماعية كانت توجه له كل فترة بصوت عال لتنبيهه أو نصيحته. استمر الشاب في التسلق بينما تعلقت قلوب كل الموجودين بمصيره وبدأت تتردد مخاوف سقوطه وسط شائعات حول إمكانية إطلاق الرصاص عليه من قناص في السفارة أو القبض عليه من قبل جهات الأمن المصرية قبل إتمام المهمة التي بات واضحا للجميع من طريقة تسلقه أنه يسعى لتحقيقها وهي نزع العلم الإسرائيلي من فوق البناية المصرية المطلة على نيل القاهرة ووضع العلم المصري الذي يحمله مكانه. في الطابق السابع عشر بدأت نصائح الموجودين في الأسفل تتخذ مساراً صحياً حيث رفعوا هتافهم ليتجه إلى اليسار، حيث سطح بناية مجاورة أقل ارتفاعا لكن يظهر عليها سلم يمكن أن يصل بالمتسلق الشاب إلى أعلى البناية الأخرى التي يقصدها. كان الشاب قد رسم خطته بالتأكيد قبل التسلق وكان مدركا بشكل جيد لما يفعله لأنه بالفعل اعتلى سطح البناية المجاورة لينفذ ما فكر فيه الآلاف من المحتشدين في الأسفل ينتظرون ما ستسفر عنه العملية. غاب الشاب قليلاً أعلى البناية الثانية عن الأنظار في الأسفل فبدأ الريب يتسلل إلى الجميع وبدأت تسري شائعات إلقاء القبض عليه من عناصر أمنية موجودة فوق أسطح كل البنايات في المنطقة لتأمين السفارة الإسرائيلية لتبدأ حالة من الهرج والمرج وهتافات «هو راح فين؟». وفجأة ظهر الشاب مجدداً يعتلي سلم الطوارئ على جانب البناية التي تسلقها في البداية والتي تضم السفارة لتتعالى صيحات الحمد والتكبير من كل الموجودين في الأسفل والذين بات همهم الأساسي سلامة الشاب بعد تنفيذ مهمته. وصل الشاب إلى بغيته وتعالت الهتافات في الأسفل وبدأ ازالة العلم الإسرائيلي من سارية كان معلقا بها غير عابئ بهتافات تهز المكان كله تطالبه بإشعال النار فيه لكن يبدو أنه كان لديه مخطط آخر، حيث نزعه ووضع مكانه علماً آخر لم يتبين ساعتها إن كان علم مصر أم فلسطين وإن تبين لاحقا أنه العلم المصري الذي كان يحمله أثناء صعوده. نزل الشاب من مكانه إلى سطح البناية المجاورة بنفس الطريقة مستخدماً سلم الطوارئ وهنا تعالت الهتافات له ألا يستخدم نفس طريقة الصعود في النزول وأن يتجه إلى مصعد البناية ليستخدمه حرصاً على حياته لكنه صمم على استكمال مهمته كما بدأها. بدأ الشاب بمهارة واضحة النزول لكن الهتافات تعالت تطالبه بألا يعرض حياته للخطر وتطالب سيدة مصرية وابنتها كانتا تطلان من نافذة في الطابق قبل الأخير من البناية أن يفتحا له النافذة وأن يسمحا له بالدخول. استجابت السيدة بلا تفكير وفتحت النافذة ويبدو أن الشاب أيضا قرر الاستجابة للهتافات فقبل أن يدخل ليتعالى التصفيق والتحية للشاب وللأسرة التي احتضنته. دقائق قليلة مرت دون أن يظهر الشاب لينتشر في المكان شائعات عن اعتقاله مجددا فيتوجه المئات ناحية مدخل البنايات أسفل «كوبري الجامعة» والذي تعسكر فيها قوات مشتركة من الشرطة والجيش تحسباً لأي محاولات لاقتحام مبنى السفارة من جانب المحتجين. كان واضحا أن المحتجين المتوافدين على مدخل البناية لم يأتوا لاقتحامها وإنما لاستخلاص الشاب والتأكد أنه لم يتم إلقاء اعتقاله وهو ما حرص قادة القوات الموجودة على إيصاله للمحتجين قبل أن يمنحوهم الشاب ليتم حمله على الأعناق ويطوف الآلاف به حول المكان مرددين حوله هتافا مصريا شهيرا يقول «ارفع راسك فوق أنت مصري». عقب نزوله تنفس الآلاف الصعداء وسجد العشرات على الأرض شكرا لله بينما تدافع الجميع ناحية الشاب المصري لرؤيته وتحيته ومعرفة تفاصيل العملية «الانتحارية» التي قام بها لكنه غاب عن المكان سريعا لينتشر بعدها أن اسمه أحمد الشحات وأنه ينتمي إلى محافظة الشرقية شمال شرق القاهرة. وفي الشارع أمام البناية تحول الموقف من اعتصام غاضب مندد بموقف «إسرائيلي إجرامي وموقف مصري غير واضح المعالم» إلى كرنفال احتفالي وانطلقت في سماء المكان الألعاب النارية وتم ترديد النشيد الوطني والأغاني الاحتفالية. بينما تحول أحمد الشحات إلى أحد أيقونات الثورة المصرية وربط الآلاف بين ما فعله وبين ابن محافظته الجندي المصري سليمان خاطر الذي يتداول المصريون روايات غير رسمية تؤكد أنه قتل في زنزانته قبل محاكمته بتهمة قتل عدد من المتسللين الإسرائيليين أثناء تأدية خدمته العسكرية على الحدود منتصف ثمانينيات القرن الماضي في قضية شهيرة جرى التعتيم عليها إعلاميا لسنوات. انتقل الشاب المصري المجهول أحمد الشحات من مواطن مصري عادي يعيش الكثير من المعاناة مثل غيره من أبناء جيله إلى ما وصف بالبطل الذي يشار له بالبنان ولاشك أن التاريخ المصري سيخلد ما فعله باعتباره واقعة لم يقم بها غيره سابقا. وبعد هبوطه أعرب أحمد الشحات عن سعادته الغامرة بما قام به وأكد أنه فعل ما يتمناه كل العرب وهو تمزيق العلم الإسرائيلي. وقال الشحات في مداخلة هاتفية مع قناة «الجزيرة مباشر مصر» «هذه خطوة لنصب الرعب أكثر من الموجود في قلب الصهاينة». وتابع أنه «شاب مصري زي (مثل) آلاف الشباب» الذين كانوا يقفون أمام السفارة ويقولون «نزل العلم.. نزل العلم.. فأنا نفذت لهم طلبهم». واختتم أحمد الشحات حديثه قائلا «اللى جاي أفضل إن شاء الله وربنا يحمي مصر».