اختارت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر ألا تحسم موقفها من حركة مجتمع السلم «حمس»، الحركة التي ظلت تمثل جناح «الإخوان» في الجزائر رسمياً منذ أنشأها الراحل محفوظ نحناح في تسعينات القرن الماضي، وعلى رغم إعلان المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف إعفاء «حمس» من تمثيل الإخوان لم تتوقف الاتصالات بين الجماعة الأم والحركة التي انقسمت أخيراً إلى شطرين بعد صراع طال بين قادتها، ما عكس تضارباً إخوانياً، سواء من قبل مكتب الإرشاد أو من قبل قادة التنظيم الدولي في بريطانيا. وإزاء الصراع الذي احتدم بين رئيس الحركة أبو جرة سلطاني ونائبه الوزير السابق عبدالمجيد مناصرة، ولم تُجد محاولات الصلح التي بذلها المرشد العام شخصياً، أعلن مهدي عاكف رفع غطاء الإخوان عن أكبر حزب إسلامي في الجزائر قائلاً إنه بعث برسالة إلى الطرفين يقول فيها: «إنكم الآن لا تمثلون حركة الإخوان المسلمين»، وهو الموقف الذي كرره بعد ذلك خلال رده على الاتهامات التي كالها الصحافي الجزائري نور مالك لوزير الدولة أبو جرة سلطاني وأقحم فيها الإخوان؛ حيث قال المرشد العام: «لا يوجد (إخوان مسلمون) في الجزائر»، وإنما «حمس» جماعة تربت فقط على فكر «الإخوان». لكن الأمور لم تحسم مع هذا الموقف الصريح، فقد ظلت الاتصالات قائمة، خصوصاً في ظل الحرص الشديد الذي أبداه كلا المتسابقين على الفوز بشرعية «الإخوان المسلمين»: «حركة مجتمع السلم» بزعامة سلطاني، و«حركة الدعوة والتغيير» المنشقة عنها بقيادة مناصرة، هذه الشرعية التي تصبح في منظور أعضاء الحركتين لا معنى لها من دون تزكية التنظيم الدولي لقيادة «الإخوان»، ما يجعل قادة الحركتين في قلق دائم من أمرهم توجساً من أن ينالها طرف دون الآخر، وقد تحدثت التقارير عن لقاءات محمومة يجريها ممثلون من الجهتين بأطراف متنفذة في التنظيم الدولي إلى جانب اتصالات مع مكتب الإرشاد. وفي إطار التحركات التي تقوم بها الأطراف القيادية الفاعلة في «حمس» لكسب ودّ قيادة «الإخوان» العالمية لم تتوقف الزيارات التي يقوم بها «الإخوان» الجزائريون لعدد من مدن العالم أهمها القاهرة ولندن وإسطنبول، حيث يراهنون على الدعم المعنوي لمرجعية الإخوان، وكان آخرها الاجتماع الذي حضره رئيس «حمس» وعدد من قادتها على هامش فعاليات لنصرة القدس أقامها حزب «السعادة» التركي في إسطنبول، وحضرها إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان الذي وعد قادة الحركة بالنظر في ملفهم مع المرشد العام للجماعة بعد أن جدد الإخوان ممن حضروا مع منير أملهم في أن تتجاوز الحركة خلافاتها، مؤكدين أنهم يقفون على الحياد ولا يدعمون طرفاً على حساب آخر. وبينما دفع البعض بضعف القيادة العالمية للإخوان المسلمين إزاء حسم الأزمات الكبيرة، مستدلين بأزمة «حمس»، أرجع آخرون عدم الحسم الإخواني للأوضاع في الجزائر إلى خلافات إخوانية تدور رحاها على جبهتي مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي. وعكس الملتقى السنوي الذي نظمته «حمس» في ذكرى رحيل مؤسسها الشيخ نحناح جانباً كبيراً من التسابق بين جناحي الحركة للظهور بمظهر صاحب ثقة الإخوان وللفوز بلقب «المراقب العام للإخوان المسلمين» في الجزائر، ففي حفل منفصل لكل جناح، سعى ممثلو كل طرف إلى حشد أكبر عدد ممكن من قادة وشخصيات الإخوان المسلمين في العالمين العربي والإسلامي. وحرص المتصارعون على التقاط الصور، وبدت الاحتفالية أشبه بتظاهرة يستجمع فيها كل طرف قواه وأنصاره. وأمام إصرار كل طرف في الجزائر على مواقفه من الآخر، إلى جانب حرصه على دعم الجماعة الأم في الخارج، وفي ظل الانشقاق الأخير وما تبعه من تشرذم على مستوى القواعد الإخوانية والأفراد، واستحالة فرض حل تنظيمي أمام هذه الأوضاع يجد «الإخوان المسلمون» أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، خصوصاً مع ما يمثله الملف من مادة إعلامية لا تكاد تتوقف عن نهش الحركة. وإزاء ذلك يظل السؤال «من يمثل الإخوان المسلمين في الجزائر؟» بلا إجابة حتى لدى الإخوان أنفسهم. علي عبدالعال – بريد إلكتروني