يعتقد بعض الخلق أنهم بلغوا مرتبة الرضا في عبادتهم لله سبحانه وتعالى، فينظرون إلى أعمالهم الصالحة بعين الواثق من نفسه، في تعامله وسلوكه مع الله سبحانه وتعالى ويبدؤون بتتبع هفوات الناس، وسيئاتهم، وتسوّل لهم أنفسهم، تقريعهم ولومهم، وتعييرهم بهذه السيئات، بل وإن لم يقترفوا سيئات، يكفي أن يخالف الفكر الفكر، والقول القول، والرأي الرأي، ليصبح الإنسان متهماً في دينه، مشتوماً، وملعوناً، من ذوي الأفكار التشككية، الأحادية، التي لم يقم عليها الدين، متناسين أن الله لم يجعلهم فوق غيرهم من البشر، ولم يختصهم بالعصمة ليجعلوا من علمهم وفقههم إن وجد، دستوراً مقدساً لا يجوز الخروج عليه، وفرضه على الناس بالقوة وهذه هي قاصمة الظهر لا ريب فيها. يقول خالد محمد خالد في كتابه «والموعد الله» الذي يتكلم فيه عن المؤمنين الذين نعتهم الرسول صلى الله علي وسلم بأنهم أهل الله وخاصته: وكم من مريد خلى نفسه ومضى، تخلى عن شهواته وآثامه وخطاياه، وقطع شوطاً في التطهير والتغيير، ولكن وهو على وشك بلوغ المشارف السعيدة للملكوت العظيم، إذا به يسقط صريع آفة لم يفتح عليها بصيرته، ولم يشحذ لها تصميمه، تلك هي غرور الطاعة والعبادة! وهذا الغرور على رغم ارتكازه على العبادة، آية ما لا تزال النفس تعج به من خبث واستعلاء. ولهذا الغرور وجهان وجهه الأول: رضاك عن نفسك والافتتان بما تأتيه من عبادة ونسك، ووجهه الثاني: استعلاء على الآخرين بفضلك، بل وتعييرهم بما معهم من قصور ومساوئ، إن أهل الله لا يمقتون نقيصة مثلما يمقتون هذا اللون الوقح من الغرور، ذلك أنه حين تسلم نفسك حقاً من ذاتيتها وأنانيتها، فلن تدل بطاعة أبداً، إن خطر رضائك عن نفسك في هذا المجال، أنك بهذا الرضا، ومع تكراره واستمراره ستفقد الإحساس بالخطأ، ومن ثم تفقد حاسة الاتجاه إلى الفضيلة والخير والصواب. إن هذا الرضا إذا لم تحسن استخدامه، سيضع مكان التكامل والخير، الاغترار بما أصبت من خير، أما تعيير الآخرين بضعفهم، فهو لا يكشف فحسب عن أن النفس ضلت طريقها إلى الله، بل قبل ذلك كشف عن أنها لا تستحق بحال شرف السير على هذا الطريق. يقول : ابن القيم: تعييرك أخاك بذنبه أكبر إثما من ذنبه، ففي تعييرك هذا تبدو صولة الطاعة وتزكية النفس والمناداة عليها بالبراءة من الذنب». ويتابع قائلاً: ولعل انكسار الذي عيرته بذنبه وإزرائه على نفسه، وتخلصه مما أصابك من بر وعجب وادعاء، ووقوفه بين يدي ربه منكسر القلب، أنفع له من صولة طاعتك، ولأن تبيت نائماً، وتصبح نادماً، خير من أن تبيت قائماً، وتصبح معجباً، فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك إن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدلّ. فأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين، لعل الله سقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلاً هو فيك وما تشعر! ويقول: الإمام أبو الحسن الشاذلي ملخصاً القضية في إيجاز بليغ: رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عجباً واستكباراً. فغرور العبادة آفة يتوقاها أهل الله، ذلك أن ارتباط هذا الغرور بالطاعة كثيراً ما يعمى عن خطره، يقول الإمام جعفر الصادق: «من كشف حجاب غيره، انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به». إن الخلاص من هذا الغرور الديني- غرور الطاعة والعبادة - ضرورة لكي يصبح المؤمن صالحاً للسير على طريق الراكضين إلى الله. [email protected]