يدور في ذهن المشاهد وهو يتابع الدراما السورية للموسم الحالي صدر بيت عنترة بن شداد في مطلع معلّقته: «هل غادرَ الشعراءُ من متردّم»، وهو كناية عن أن الشعراء المتقدمين لم يتركوا كلاماً لشعراء بعدهم، فلم يعد في وسع هؤلاء ابتكار الجديد. والواقع أن الكثير من الأعمال الدرامية السورية في الموسم الحالي راح يكرر نفسه، إن لجهة القوالب والأشكال الفنية المقترحة أو لجهة المواضيع والقضايا المطروحة. وليس هذا جديداً في المجال الدرامي السوري الذي استنسخ الكثير مما سمي «مسلسلات الفانتازيا التاريخية»، وكذلك شاهدنا نسخاً كثيرة عن دراما البيئة الشامية، ولعل «باب الحارة» يعد من الأمثلة الناجحة في هذا المقام (ناجحة من حيث التكرار الممل!). وطغت لفترة موضة المسلسلات التاريخية... أما في الموسم الحالي فثمة عودة وحنين إلى محاكاة التجارب الدرامية التي حظيت بنجاح ما، والمثال الأبرز، هنا، هو مسلسل «يوميات مدير عام» مع عنوان فرعي «تيتي تيتي»، من دون أن يجهد صناع العمل، وعلى رأسهم المخرج زهير قنوع والبطل أيمن زيدان، أنفسهم عناء التكملة التي تقول: «متل ما رحتي جيتي». ويبدو أن هذا المثل الشعبي الذي يشير إلى المراوحة في المكان من دون تغيير، ينطبق على مسلسلات أخرى مثل «الخربة» لليث حجو الذي قدم جزءين كوميديين من مسلسل «ضيعة ضايعة» مستثمراً روح الدعابة والمرح لدى شريحة تقطن الساحل السوري، وقد حققا نجاحاً واسعاً، وها هو المخرج يعود مع الكاتب ذاته ممدوح حمادة إلى تكرار التجربة، ولكن، هذه المرة، من ريف المحافظة السورية السويداء، لكن التجربة لم ترق إلى مستوى سابقتيها، وخصوصاً الأداء النمطي للممثل الكوميدي المعروف دريد لحام. ياسر العظمة، بدوره، يعود إلى «مراياه» المفضلة مع المخرج سامر برقاوي، لكن الانعكاس لم يتغير كثيراً. ولا يخرج مسلسل «صبايا» لناجي طعمي عن هذا المنحى، فعلى رغم تغير الوجوه، إلا أن الحدوتة تبقى هي نفسها ضمن قالب كوميدي خفيف؛ مفتعل مع حوار ساذج. أكثر من ذلك، ثمة نوستالجيا لدى الدراميين السوريين تقودهم إلى عقد السبعينات من القرن الماضي، فبعد تجربة «اسعد الوراق»، ها هي التجربة تتكرر لاستعادة مسلسل «دليلة والزيبق» مع المخرج سمير حسين والكاتب هوزان عكو في نسخة معدلة. إضافة إلى ذلك، ثمة حديث عن سرقات خفية، عبر اتهام مسلسل «جلسات نسائية» للمثنى صبح بأنه «نسخة معربة عن مسلسل أجنبي بعنوان «زوجات يائسات»، وهو ما نفاه المخرج. تلك إشارات يُستنتج منها أن كاتب السيناريو السوري يعيد كتابة المواضيع ذاتها، بينما يستمر المخرج، وفريقه، في معالجتها بأساليب ورؤى فنية مكررة أو متشابهة. وإزاء ذلك بدا صعباً إقناع الفضائيات بشراء العمل السوري بما يقارب زخم السنوات الماضية، مثلما تبدو المهمة شاقة في جذب المشاهد إلى مواضيع مستعادة، في وقت تحفل الشاشات، خصوصاً الإخبارية منها، بدراما واقعية تفوق في قسوتها وتأثيرها أكثر المخيلات خصوبة.