بغداد - ا ف ب - ينشغل العراقيون في رمضان بممارسة لعبة "المحيبس" التي عادت بشكل اوسع هذا العام الى كنف المجموعات الشعبية لتملئ ليالي شهر الصوم حماسة وموسيقى، بعدما بقي تنظيمها حكرا على جهات اعلامية لعدة اعوام بسبب تردي الاوضاع الامنية. ويقصد العراقيون بعد الانتهاء من طعام الافطار مباشرة، الساحات والنوادي لممارسة لعبة العثور على الخاتم في اجواء من التنافس الذي يشمل المحافظات والاحياء داخل المدن ويتواصل حتى الساعات الاولى من الصباح. وفي نادي الاعظمية شمال بغداد الذي تأسس عام 1936، تشتعل احدى الساحات الصغيرة بأنغام الموسيقى الشعبية الممزوجة بصرخات عشرات المتنافسين في مبارة تجمع اهالي منطقة الاعظمية التي تسكنها غالبية سنية بأهالي منطقة سبع ابكار المختلطة. ويجلس اللاعبون وقد ارتدى معظمهم الدشداشة التقليدية في ثلاث صفوف متقابلة، فيما يفترش اخرون الارض. ويتمشى قحطان اعظمية بين صفوف الفريق المنافس، فيصرخ في وجه بعضهم فجأة ويطلب من آخرين فتح ايديهم بحثا عن خاتم يمنح فريقه، ان عثر عليه هو، نقطة اضافية تقربه من الفوز في اللعبة. ويقول عصام الملك (55 سنة) وهو احد منظمي بطولة "الاهل والاخوة" التي يتنافس فيها ثلاثون فريقا من بغداد ومحافظات اخرى ان "التنافس يستمر احيانا حتى الفجر وقد يمتد الى منتصف النهار حتى يتمكن احد الفريقين من تحقيق الفوز". وفي احد ايام رمضان في التسعينات، استمرت لعبة "المحيبس" في الاعظمية حتى صباح عيد الفطر، ولم تنته الا بعد عام، اذ قرر المشرفون عليها تأجيلها حتى اليوم الاول من شهر رمضان المقبل، بحسب ما قال احد اللاعبين. ويشرح الملك ان عدد لاعبي كل فريق يصل الى مئة لاعب لا تقل اعمارهم عن 18 سنة. فيخبأ بين ايدي احدهم المحبس، وعلى الفريق الآخر العثور عليه وتحقيق ما اتفق عليه من نقاط بين قائدي الفريقين. ويشير الملك الى ان "لعبة المحيبس تجري في دمنا ولم ننقطع عنها طوال السنين الماضية، كنا نلعبها انما نحصر المنافسة فيها بين المناطق القريبة من الاعظيمة فقط". ويقول ان "اللعبة عادت هذا العام الى كنفنا حتى ننظمها بعدما كانت تنظمها جهات اعلامية خلال السنوات الماضية بسبب اعمال العنف". وفجأة تتعالى الصيحات واصوات الطبول بعدما سحب قحطان (30 سنة) الخاتم من بين ايدي احد اعضاء فريق سبع ابكار، ليحمل بعدها قائد الفريق على الاكتاف وسط الهتافات التي يبدا معها توزيع الحلوى على المشاركين. في المقابل، يواجه اللاعب الذي كان الخاتم بين يديه صرخات غضب صادرة عن زملائه حيث يلومونه على فقدان "المحيبس". ويقول قحطان الذي يعمل خبازا ان "من يحمل المحبس (الخاتم) مكشوف لانه يتعرق ويرتجف ويقوم بحركات عشوائية متواصلة اكثر من الباقين (...) علما ان كشف مكان المحبس يحتاج الى خبرة وموهبة". ويعتبر ان "الطائفية اثرت في الاعوام الماضية، على اللعبة لكن هذا الامر انتهى الآن". ويتابع ان "اجمل لعبة شاركت فيها كانت بين الاعظمية والكاظمية على جسر الائمة الذي يربط المنطقتين عام 2007. لعبنا فقط من اجل لم الشمل، ولم نكترث للفوز". وفي محافظة كربلاء جنوب بغداد، انطلقت منذ اليوم الاول من رمضان بطولة للعبة المحيبس تجري منافساتها في ملعب لكرة القدم غرب مدينة كربلاء (100 كيلومتر جنوب بغداد). وقال رئيس فريق كربلاء سالم النقاش (50 سنة) "توقفنا عن اللعب بعد اجتياح العراق بسبب الظروف التي مرت بالبلاد، ولكن عدنا اليوم لنرد على كل القوى الارهابية التي حاولت زرع الفرقة بين العراقيين". وتشارك في بطولة كربلاء فرق من بغداد واخرى من مدن الديوانية والنجف والكوفة والهندية وكربلاء وجميعها شيعية، بالإضافة إلى مدن تسكنها غالبية سنية مثل بعقوبة والمسيب او مختلطة مثل الحلة. اما في مدينة كركوك الشمالية، فيمارس العراقيون لعبة مماثلة يطلق عليها اسم "الصينية" حيث يتنقل اناء كبير مسطح بين اعضاء فريقين عليه احدى عشر فنجان قهوة يخبأ تحت احدها الخاتم. ويقول عادل زين العابدين وهو صاحب مقهى "الديوان" في كركوك (240 كيلومتر شمال بغداد) "نستقبل يوميا المئات بينهم الطبيب والمهندس ورجل الاعمال ووجهاء من كل الاطياف، العرب والاكراد والتركمان، ليمارسوا لعبة الصينية". ويشدد على ان المشاركة في هذه اللعبة هذا العام "هي الاكبر بعد عام 2003، والمدهش انها تجمع جميع مكونات كركوك"، المدينة النفطية المتنازع عليها بين العرب والاكراد.