حمّل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون السلطات السورية مسؤولية قتل المدنيين وقمع التظاهرات وتنفيذ عمليات عسكرية تخللتها حملات توقيف تعسفي جماعي، فضلاً عن التسبب بنزوح آلاف السوريين عن منازلهم ومدنهم. وحصلت «الحياة» على نص تقرير بان الذي أعده تطبيقاً لبيان مجلس الأمن الصادر في 3 الشهر الحالي، والذي قدمه إلى مجلس الأمن الأربعاء مساعده للشؤون السياسية أوسكار فرنانديز تارانكو. وقال بان في التقرير إن السلطات السورية تواصل منع الوصول الحر للإعلام المستقل في خرق لحرية الصحافة وتواصل رفض وصول هيئات الأممالمتحدة إلى المناطق المتأثرة بالعنف. وأشار التقرير إلى المحادثة الهاتفية الأخيرة بين بان والأسد مؤكداً أن الأخير «لم يقدم أي تعهد في شأن النقاط التي أثارها الأمين العام لكن اتفاقاً من حيث المبدأ تم بينهما على مناقشة التعاون مع مكتب الفوضية العليا لحقوق الإنسان مع وزير الخارجية وليد المعلم. وأضاف أن المندوب السوري قدم وثائق إلى الأممالمتحدة حول «أعمال عنف وحشية ضد المدنيين وقوى الأمن لكن الأممالمتحدة ليست في موقع التحقق باستقلالية من صحتها لعدم تمكنها من الوصول إلى مناطق الأزمة». وأشار التقرير إلى أنه منذ تبني مجلس الأمن الدولي بيانه «لم تغير السلطات السورية مسارها، إذ تعمقت الأزمة السياسية والإنسانية مع ازدياد العنف واستمرار قوات الأمن بعملياتها العسكرية مدعومة بقوات مدنية تعرف بالشبيحة، واستمرار القتل والاعتقال الجماعي». وشكك التقرير في صدقية دعوة السلطات إلى الحوار «مع مواصلتها قمع التظاهرات بالعمل العسكري العنيف لتزعزع صدقية تطبيقها الإصلاحات المعلنة». وأشار إلى أن «إصدار تشريعات التعددية الحزبية والانتخابات العامة قوبل بالتشكيك من قطاعات واسعة من المعارضة وخصوصاً اللجان التنسيقية». وتحدث التقرير عن استخدام السلطات الدبابات والآلة العسكرية الثقيلة خلال العمليات العسكرية لقوات الأمن «في حماه ودير الزور وحمص وإدلب وريف دمشق» التي أصبحت «أكثر المناطق تأثراً خلال الأسبوع الماضي، حيث قطعت الخدمات العامة بما فيها الاتصالات والماء والكهرباء». وأشار إلى أن «دمشق شهدت تظاهرات عدة ضد الحكومة فيما بقيت حلب هادئة عموماً». وحذر بان من نقص المواد الأولية والأدوية والخدمات العامة بسبب العمليات العسكرية وقال إن «تقارير أفادت أن المستشفيات العامة استهدفت من السلطات وأن المصابين لا يقصدون المستشفيات العامة خوفاً من الاعتقال». وأكد أنه رغم عدم سماح السلطات السورية لبعثة تقصي الحقائق بالعمل إلا أنها استطاعت جمع معلومات من ضحايا وشهود عن خروقات لحقوق الإنسان في سورية. وتشير المعلومات إلى «استخدام مفرط للقوة ضد المدنيين غالبيتهم متظاهرون سلميون، واستخدام أسلحة حية ضد مدنيين عزل، ونشر قناصة ودبابات وآليات عسكرية في مناطق مدنية آهلة، واعتماد سياسة إطلاق النار بهدف القتل». وأضاف أن «الميليشيا (الشبيحة) أطلقت النار من خلف الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على المدنيين، فيما استمرت المداهمات الواسعة للمنازل وحصار المدن وتنظيم مراكز اعتقال». وأكد أن عدد القتلى قارب 2000 وأن يوم 7 آب (أغسطس) وحده شهد مقتل 87 شخصاً. وأشار بان إلى أنه بحسب المعلومات المقدمة من السلطات السورية «فإن 346 عنصر أمن قتلوا وجرح 3483 آخرون منذ بداية التظاهرات» منوهاً بأن السلطات السورية «لم تعط إحصاءات عن عدد المدنيين القتلى». ونسبت السلطات السورية الاعتداءات على مراكز الشرطة والمباني الحكومية ومقار حزب البعث إلى «مجموعات مسلحة إرهابية قالوا إنها تدار وتمول من الخارج مشيرين إلى تهريب أسلحة عبر الحدود السورية». وأضاف تقرير الأمين العام أن الآلاف من المدنيين بينهم نساء وأطفال اعتقلوا وأوقفوا تعسفاً منذ آذار (مارس) بينهم أيضاً ناشطون ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمو تظاهرات استهدفوا خصوصاً و أن «مصير معظم هؤلاء لا يزال مجهولاً». ونقل التقرير عن «شهادات ضحايا وشهود استخدام القوى الأمية التعذيب والمعاملة السيئة على نطاق واسع وأن ثمة تقارير عن أطفال أوقفوا وماتوا تحت التعذيب». ونوه التقرير بمواقف دول المنطقة حيال الأزمة في سورية وبينها دعوة كل من الملك عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الوزراء التركي ووزيري الخارجية الأردني والمصري والأمين العام لجامعة الدول العربية وشيخ الأزهر، إلى وقف فوري للعنف فضلاً عن بيان مجلس التعاون الخليجي. وخلص التقرير إلى أن «كل المؤشرات تدل على أن العنف سيستمر طالما استمر القمع العنيف من جانب السلطات ضد التظاهرات المناهضة للحكومة التي تواصل المطالبة بإسقاط النظام». وتحدث عن «أدلة على أن الانقسامات الطائفية مرشحة للازدياد فيما لو استمرت الحكومة في قمع المتظاهرين بالقوة العسكرية». وشدد بان على أن الأولوية «هي لوقف العنف والسماح بتغيير سلمي وشامل استجابة للتطلعات المشروعة للشعب السوري بالكرامة والحرية والعدالة». وأكد أنه على القيادة السورية أن تجد وسائل سلمية وذات صدقية للاستجابة لتطلعات شعبها وأنه لن يكون من تقدم في الحل السلمي طالما بقيت القوات الأمنية في الشوارع وواصلت العمليات العسكرية ضد المدنيين وقال إن «السلطات السورية خاضعة للمحاسبة على أعمالها بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي». ومن المقرر أن يجري مجلس الأمن الدولي جلسة إحاطة أخرى الأسبوع المقبل حول سورية لكن «موعدها لم يحدد بعد» وفق ما أشار ديبلوماسيون. وسيطلع المجلس في جلسته المقبلة على إحاطة من المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي ومنسقة الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس. وشدد الأعضاء الأوروبيون في مجلس الأمن على ضرورة أن يتخذ المجلس خطوات إضافية لمواصلة الضغط على النظام السوري وأن هذا الضغط «سيكون مكملاً ومتوافقاً مع الضغط الذي أتى من دول المنطقة وأطراف أخرى في المجتمع الدولي». وقال فيليب بارهام نائب السفير البريطاني في الأممالمتحدة إن السلطات السورية مسؤولة عن قتل نحو ألفي مدني وإخفاء نحو ثلاثة آلاف، وسجن ثلاثة عشر ألفاً ونزوح عشرات الآلاف. وأكد أن الموقف الأوروبي واضح بأن «الأسد يجب إما أن يوقف العنف ويؤسس لإصلاح فعلي أو يتنحى جانباً». في المقابل قال السفير الروسي في الأممالمتحدة فيتالي تشوركين إن «ضبط النفس والإصلاح والحوار» هي ما يجب أن يتم في سورية. مشيراً إلى مشاورات بين موسكوودمشق وإلى أن «الإصلاحات التي أعلنت في سورية تحتاج وقتاً ويجب أن تعطى وقتاً». وعن الموقف الروسي من تعزيز الضغوط على دمشق، قال المندوب الروسي تشوركين بلهجة حاسمة إن «النداءات الاميركية الى فرض عقوبات على دمشق لا طائل منها». وتابع «نحن ندعو الى ضبط النفس والاصلاحات والحوار»، مضيفاً «ما نقوله لهم (السوريين) هو ان عليهم القيام باصلاحات جدية»، منتقداً المعارضة السورية لرفضها التحاور مع الرئيس السوري بشار الاسد، ومؤكداً وجود «بعض الاشارات المشجعة». واتهم السفير السوري في الأممالمتحدةبشار الجعفري «دولاً في مجلس الأمن» بالكذب والتضليل واعتبر أن في سورية ثلاثة أنواع من المعارضات واحدة منها مسلحة وهي ما تعمل القوات الأمنية على مواجهتها. وشدد على أن الرئيس السوري منتخب من الشعب على غرار «ساركوزي وأوباما والمستشارة الألمانية». وقال الجعفري إن الحكومة السورية ماضية في الإصلاح والدعوة إلى الحوار «رغم عدم استجابة المعارضة الدعوات». وقارن المندوب السوري بين الوضع في بلاده وما تشهده بريطانيا حالياً من اعمال شغب. وقال: «انه لمن المفيد الاستماع الى رئيس الوزراء البريطاني وهو يتحدث عن مثيري الشغب وينعتهم بافراد العصابات»، مضيفاً «لا يسمح لنا استخدام المصطلح نفسه للحديث عن مجموعات مسلحة وارهابية في بلدي. هذا نفاق، هذه غطرسة». واكد الجعفري ان «ما حدث في لندن وبرمنغهام وبريستول لا يعدو كونه واحداً في المئة ربما مما حدث في بعض المناطق المضطربة في بلدي ومع هذا يرفض بعض الناس الاعتراف بالواقع». وسارع المندوب البريطاني الى الرد على هذه التعليقات، واصفاً اياها ب «المثيرة للضحك». وقال بارهام «في المملكة المتحدة هناك وضع أخذت فيه الحكومة اجراءات متكافئة وقانونية وشفافة لضمان تطبيق القانون على مواطنيها». واضاف انه بالمقابل «في سورية، تشن هجمات على الآلاف من المدنيين العزل الذين قتل الكثيرون منهم. المقارنة التي اجراها السفير السوري مثيرة للضحك». وأصدر مجلس الامن الاسبوع الماضي بياناً رئاسياً يدين فيه العنف ويطالب بان يقدم الامين العام للامم المتحدة تقريراً عن التطورات بعد اسبوع من صدور البيان. وقادت روسيا والصين المعارضة للحؤول دون اصدار المجلس قراراً رسمياً يدين سورية، وساندتها في ذلك كل من البرازيل والهند وجنوب افريقيا، الدول الثلاث التي ارسلت وفداً الى دمشق قابل الاسد وطالبه ب «الوقف الفوري لكافة اشكال العنف».