الدعوة إلى الله جزء لا يتجزأ من حياة المسلم، وما أشد حاجتنا إليها ليستقيم الاعوجاج في سلوك الناس، أو بعض من تخاطبهم القواعد الشرعية التي أوجبها الله على عباده بوجوب العمل أو الامتناع عن الإتيان به. حدد العلماء موضوع الدعوة بناءً على ما فهموه من النصوص ودرسوه من سيرة النبي «صلى الله عليه وسلم»، من ضرورات الدعوة إلى الله أن يكون الداعي قدوة ونموذجاً، يتحلى بالصبر والتواضع والصدق، فالله عز وجل اختار رسله وأنبياءه بعناية، ولهذا وجب أن يكون الداعي قدوة ونموذجاً يُحتذى به، فلا يصح أن يأمر الداعي بما لا يأتي به مصداقاً لقوله تعالى (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، سورة الصف الآية 2. كما يلزم أن توجه دعوة الدعاة بصورة عامة ومجردة، فلا يجوز أن نقصي قاعدة ملزمة لأنها خاطبت غنياً أو مسؤولاً، أو حتى إذا خاطبت حاكماً، ونأتي بها لتطبق على الفقراء والضعفاء، أما التجريد في الدعوة فهو أن تكون موجهة إلى جميع الأشخاص ومن دون استثناء بحسب القوة أو الضعف أو المركز الاجتماعي. الحقيقة أن هذا مغاير لما نراه اليوم بكثرة في شأن دعوة الأئمة والدعاة والمصلحين، والمثال في ذلك ما حدث بمصر سابقاً من مظاهر الفساد المالي والإداري والأمني التي كانت تسود وتبسط نفوذها على رقاب العباد وأحوالهم في ظل النظام البائد من دون أن تلحق صحوة الدعاة كلمة لولاة الأمر أو الفاسدين، وما يحدث الآن في سورية ووقوف بعض الدعاة من نظام بشار الأسد موقف المتفرج وصمتهم عن أفعال بشار وقتله لشعبه وارتكابه المجازر، وما كان بليبيا عبر سنوات طوال بيد حاكمها معمر القذافي واستبداده بشعبه من دون أن توجه له دعوات الإصلاح ممن يخافون الله في دينهم وفي أوطانهم. وهذا يدعوني للتساؤل: هل تقتصر دعوة الإصلاح التي قامت عليها أساساً الدعوة الإسلامية على أداء الصلاة أو الصوم أو أداء الزكاة فقط، وغيرها من الفروض والعبادات؟ من دون أن تهتم بإصلاح أحوال البشر وتنظيم سلوكياتهم مهما نزلوا ومهما علوا، هل تكون الدعوة عبثاً إذا وجهت برفع يد المعتدي عمن يعتدي عليه ولرد المظالم؟ ألا تُعتبر دماء المسلمين حرمة يجوز معها توجيه الدعوة إلى المعتدين مهما قلت أو علت درجاتهم في الدنيا؟ وبرأيي أنه لا شك أن موضوع الدعوة لا يتغير بتغير ميدان ومحيط الدعوة، وإنما الذي يتغير هو طريقة الدعوة في كل شأن بما يناسب ميدان الدعوة، فالصلاح الذي تدعو إليه الدعوة يجب أن يكون على العموم من دون حصر الدعوة على موضع من دون آخر، والأصل أن الدعوة يجب أن تهتم بالإسلام الشامل الذي يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق، كما توجه إلى الفرائض توجه أيضاً إلى سلوك الأفراد داخل المجتمع. ويجب على الداعي أن يوجه دعوته في الأولويات الملحة، وأن يتنبى قاعدة الأهمِّ ثمَّ المهمّ، فلا توجه الدعوة في الفروع فقط ويترك الأصول، ليتم في النهاية تحقيق الهدف من دعوات الإصلاح التي يندرج عمل الدعاة فيها، حتى أن القرآن الكريم في ذلك يوجهنا إلى مراعاة الأولويات، فلا يصح أن نقدم ما يجوز فيه التأخير ونتركه حتى يأتي موعده، ولا يصلح أن نؤخر ما يستلزم التقديم قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون). وحتى لا ترهن أهداف الدعوة إلى الله على هوى الاجتهادات الشخصية ومدى ضعفها وقوتها ولكن يجب أن يكون ذلك وفقاً لما أمر به الله عز وجل من أخلاق وآداب الإسلام، لابد أن توجه في إطار عادل وفي سهولة ويسر ولطف وإشفاق بالمتلقي، وفي أوقاتها بغير عنف أو شدة أو تحقير من شأن الآخرين، مع إنزال كل إنسان منزلته، فرجل الدين بصفة عامة بالنسبة للمتلقي يجب أن يكون كالطبيب بالنسبة إلى المريض. يجب العودة لما كان عليه رسول الله وصحابته والتأسي بهم، فهم القدوة للبشرية، ولهذا فعلى الداعي أن يكون فقيهاً في وجهته التي يتوجه بها من الدعوة إلى الله وفق المنهج الذي شرعه الله لعباده، وعليه أن يستزيد ويستفيض من العلم حتى ينأى بنفسه عن الدخول في مواضع تضخيم الحدث، على رغم انعدام الإثم عليه، أو التهوين من قيمة الحدث أو الواقعة، على رغم ضخامتها، وذلك يكون بالتفقه في الدين وربط الشرع بالواقع والاستعانة بأهل العلم. طبيعة الناس أنهم لا يقبلون من يطيل أو يتطاول عليهم ويحتقرهم أو يستصغرهم ويتكبر عليهم حتى ولو كان ما يقوله حقاً وصدقاً، لذا فيلزم الداعية ألا يقلل أو يسفه من الآخرين ولا ينظر إلى الآخرين على أنهم ناقصو الإيمان، وقدوتنا في ذلك رسول «صلى الله عليه وسلم»، الذي كان خلقه القرآن في حياته وفي بيته ومع أزواجه وأصحابه، بل وحتى مع أعدائه من الكفار والمنافقين، يتأدب بآدابه التي شرعها الله قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم). [email protected]