صعدت الولاياتالمتحدة أمس لهجتها ضد الرئيس السوري بشار الاسد، منددة ب «بالافعال الشائنة». ولوحت باجراءات منفردة وفي المحافل الدولية تتضمن تطبيق مبدأ «المحاسبة» بما في ذلك تحرك في مجلس الأمن لتخويل المحكمة الجنائية الدولية النظر في «انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان» في سورية. وفي حين اعلن البيت الابيض ان سورية «ستكون أفضل حالاً من دون الأسد» ، فرضت السلطات الاميركية عقوبات جديدة شملت «المصرف التجاري السوري»، اكبر مصارف سورية المملوك للدولة، وشركة «سيرياتل» للهاتف النقال التي يملكها ابن خال الرئيس رامي مخلوف الذي سبق ان شملته عقوبات اميركية. في هذا الوقت، سقط 16 قتيلا مدنيا في حمص برصاص قوات الأمن بالتزامن مع اعلان الجيش السوري انسحابه من حماة وإدلب. وصعدت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس اللهجة ضد الرئيس السوري مشددة على «افتقاده الشرعية» وعلى «وضع أفضل للشعب السوري من دونه» وذلك مع ازدياد الكلام عن اعتزام الإدارة الأميركية الدعوة الى «تنحي» الأسد في الأيام القليلة المقبلة. وأكدت رايس أن واشنطن تدرس سلسلة إجراءات منفردة وفي المحافل الدولية تتضمن تطبيق مبدأ «المحاسبة» من بينها في»مجلس حقوق الإنسان» وعدم استثناء التحرك في مجلس الأمن لتخويل المحكمة الجنائية الدولية النظر في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب في سورية لاحقاً. وتلقى مجلس الأمن الدولي أمس التقرير الأول للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول الأزمة السورية تلبية لطلب مجلس الأمن في بيانه الرئاسي قبل أسبوع. ووصفت مصادر ديبلوماسية التقرير بأنه «لاذع» في وصفه الواقع على الأرض. وبدأت وفود الدول الغربية الأعضاء في المجلس التحدث عن إجراءات استطرادية للبيان الرئاسي كي يستمر مجلس الأمن بإجراءات «ذات قوة» و»يضاعف» الضغوط على الحكومة السورية، بحسب رايس. وتحدثت رايس الى الصحافة الدولية قبيل انعقاد مجلس الأمن لبحث الوضع في سورية. واعتبرت أن «الرئيس الأسد فقد شرعيته في القيادة وأن سورية ستكون أفضل بكثير من دونه»، مؤكدة «تطلع الولاياتالمتحدة نحو المستقبل ودعم الشعب السوري». وقالت رايس في مؤتمر صحافي في مقر الأممالمتحدة إن «العنف في سورية يجب أن يتوقف فوراً مع الإخذ في الاعتبار تنامي الإدانة الدولية التي عبر عنها بيان مجلس الأمن الدولي الإسبوع الماضي». وأشارت رايس الى مواقف مجلس التعاون الخليجي والأمين العام لجامعة الدول العربية وسحب السعودية والكويت والبحرين سفراءها من دمشق «أضافة الى الموقف القوي لتركيا بعد زيارة وزير خارجيتها الى سورية». وأملت رايس في أن تنقل دول «إيبسا» الأعضاء في مجلس الأمن (الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) «الرسالة ذاتها بالدعوة الى وقف العنف وأن تعود (قوات الأمن السورية) الى الثكنات ويكونوا صادقين في عملية الإصلاح التي فشلوا فيها تماماً حتى الآن». وأشارت الى أن الولاياتالمتحدة ستواصل الضغط على النظام السوري على مستويات عدة بينها «فرض عقوبات إضافية» عليه. وشددت على ضرورة قيام بعثة تقصي الحقائق التي قررها مجلس حقوق الإنسان بعملها في سورية مشيرة الى أن إحالة سورية الى المحكمة الجنائية الدولية هو «مسار محتمل». وعن رأي الولاياتالمتحدة في إرسال مبعوث الى سورية، وإدراج سورية بنداً منفصلاً عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن، وكذلك توجيه دعوة الى المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيليه، قالت رايس «نحن منجذبون الى جميع هذه الخطوات وسواها التي تؤدي الى رفع مستوى ملف سورية في اجندة مجلس الأمن وتؤمن الانتباه الضروري لهذه الأزمة الذي تأخر أكثر مما يجب». وأضافت «نعم إننا نعمل مع شركائنا على أفكار عدة بما فيها هذه الاحتمالات الثلاثة». وأضافت أن الولاياتالمتحدة تعمل مع شركائها في مجلس الأمن وخارجه وفي المنطقة على التشديد على ان «تصرف الأسد غير مقبول على الإطلاق وأنه فقد شرعية القيادة وأن الشعب السوري وسورية سيكونان أفضل بكثير من دونه». وأضافت «نتطلع الى المستقبل والى دعم الشعب السوري الذي لديه تطلعات الحرية والديموقراطية كسواه من الشعوب في أماكن عديدة في العالم». واعتبرت أن مجلس الأمن أخذ وقتاً أطول مما يجب ليتحرك ويصدر بياناً وأن على أعضاء المجلس وضع مصلحة الشعب السوري فوق القضايا الثنائية والمصالح كما فعلوا الأسبوع الماضي في صوت موحد». وجددت رايس التاكيد بأن لدى الولاياتالمتحدة «أدلة على جرائم ارتكبت في سورية وأنها مستعدة لمشاركتها مع الآخرين بهدف إجراء تحقيقات». وفيما ازداد الكلام عن رغبة الدول الغربية في تعيين الأمين العام مبعوثاً خاصاً لمعالجة الأزمة السورية على نسق مبعوثيه لتناول الأزمات في اليمن وليبيا، أكد ناطق باسم الأمين العام فرحان حق «ان الأمين العام لم يتخذ حتى الآن قرار تعيين مبعوث خاص الى سورية». وذكرت مصادر الأمانة العامة للأمم المتحدة أن التقرير الذي تلقاه أعضاء مجلس الأمن لا «يُجمِل ما يحدث» على الساحة السورية «ولا يحمل مفاجآت كبرى» وأنه يصف الأوضاع الميدانية المتدهورة ويشير الى المواقف العربية التي استجدت منذ صدور بيان مجلس الأمن. كما يشير التقرير الى الاتصالات الديبلوماسية مع الأسد ويبرز خروقات حقوق الإنسان ويشدد على مسؤولية الحكومة السورية عن الانتهاكات لحقوق الإنسان وعلى واجباتها والتزاماتها الدولية. ويتناول التقرير بحسب المصادر وضع اللاجئين السوريين على كل من الحدود مع تركيا ولبنان ويشدد على القلق المتزايد للأسرة الدولية نتيجة ازدياد تدفق اللاجئين. ووفق مصادر الأمانة العامة «سيفصٌل التقرير أجواء وفحوى الاتصال الهاتفي الأخير الذي أجراه الأمين العام للأمم المتحدة مع الرئيس السوري وما تبعه من اتصالات أخيرى بين الأممالمتحدة ووزير الخارجية السوري وليد المعلم والسفير السوري في الأممالمتحدةبشار الجعفري». وقالت مصادر ديبلوماسية ان الاعضاء قد يطلبون من الامين العام اجراء اتصال جديد بالرئيس السوري. وفي واشنطن، قال الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني ان الانتقادات الدولية للرئيس السوري تتزايد بسبب «أفعاله الشائنة». واضاف «نحن جميعاً نراقب بفزع ما يفعله بشعبه». وكرر القول ان الاسد «فقد شرعيته» وان واشنطن ستواصل الضغط على الحكومة السورية ومطالبتها بالاستجابة للمطالب الواضحة للشعب السوري. وقالت وزارة الخزانة ان المصرف التجاري السوري «وسيط لجهات كورية شمالية معروفة بانها جهات تعمل لنشر الاسلحة النووية». وتتضمن العقوبات تجميد أي اصول قد يكون المصرف يملكها في اميركا ومنع الشركات الاميركية والرعايا الاميركيين من التعامل معه. وافادت في بيان بأن هذه العقوبات تستهدف ايضا «المصرف التجاري السوري اللبناني»، احد فروع المصرف التجاري السوري. كما اتهم البيان المصرف السوري الذي يملك حوالى خمسين فرعا بتمويل مركز ابحاث في دمشق «يراقب منشآت انتاج صواريخ سورية ويشرف على المنشآت المخصصة لتطوير الاسلحة غير التقليدية السورية»، وبأنه «يقدم خدمات مالية للمركز السوري للبحوث والدراسات العلمية وكذلك لبنك تانشون التجاري الكوري الشمالي». كذلك شملت العقوبات شركة «سيرياتل» التي يملكها ابن خال الرئيس رجل الاعمال رامي مخلوف الذي سبق ان شملته عقوبات اميركية، وهي تعد أكبر شركة لتشغيل الهاتف المحمول في سورية، وذلك في اطار قانون منفصل يستهدف المسؤولين السوريين وغيرهم من المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان. ميدانيا، وفيما اعلن الجيش السوري انسحاب قواته من حماة وادلب، ذكر ناشطون ان 16 مدنيا قتلوا في حمص برصاص قوات الأمن. وافادت «الوكالة السورية للانباء» (سانا) ان وحدات الجيش غادرت امس مدينة حماة في وسط البلاد وخرجت من مدينة ادلب وريفها في شمال غربي البلاد، بعدما «اعادت الأمن والاستقرار» اليهما. ونقلت الوكالة الرسمية عن ضابط في الجيش قوله للصحافيين ان «الجيش خرج بشكل نهائي من حماة عائدا إلى ثكناته العسكرية بعد ان نفذ مهمته الوطنية بكل شرف وإخلاص وإعاد الأمن والاستقرار إلى المدينة مستجيبا إلى نداءات ألم واطنين الذين روعتهم المجموعات الإرهابية المسلحة». وقام وفد من 72 صحافيا عربيا واجنبيا ومصورا يمثلون وسائل اعلام عربية واجنبية بينها تركية، بزيارة حماة لتغطية خروج وحدات الجيش منها. وقال محافظ حماة انس عبد الرزاق ان «الحياة الطبيعية بدأت تعود تدريجيا إلى المدينة مع عودة العديد من العائلات التي اضطرت للخروج من بعض المناطق نتيجة لأعمال القتل والترهيب التي مارستها المجموعات الإرهابية المسلحة». واشارت «سانا» الى ان وحدات انهت ظهر امس «خروجها من مدينة إدلب وريفها بعد اتمام مهمتها في تخليص المدينة من المجموعات الإرهابية المسلحة التي عاثت فسادا ودمارا واعتدت على المواطنين والأملاك العامة والخاصة». في المقابل، اكد ناشطون في مدينة حمص مقتل 16 شخصا امس، وقال احدهم في اتصال مع «فرانس برس» ان «قوات الامن اطلقت النار بشكل عشوائي على الناس في حي بابا عمرو فسقط 11 قتيلا واصيب اخرون بجروح. كما بدأوا حملة اعتقالات في المنازل وفتحوا النار على كل من يحاول الهرب». واضاف ان «الجثث ملقاة في الشارع ولا يمكن انتشالها بسبب اطلاق النار، وهناك حوالى عشرين جريحا ممددين على الارض». وقال شهود إنهم شاهدوا العشرات من آليات نقل الجنود تغادر حماة صباح امس. وبدت ساحة العاصي حيث يقع مبنى المحافظة في وسط المدينة، والتي كانت مسرح التظاهرات، خالية باستثناء بعض السيارات والمارة. واغلقت المحلات التجارية ابوابها، لكن المحافظ اكد ان المواد الاساسية بدأت تدخل الى المدينة ولا سيما الخبز والخضار. وأفادت وكالة «أسوشييتد برس» أنه أمكن رؤية نحو 50 آلية عسكرية تغادر المدينة التي خلت شوارعها تماماً وباتت تحت السيطرة الكاملة للقوات الحكومية. وقال شهود وسكان إن الحواجز التي كان محتجون وضعوها لمنع الجيش وقوى الامن من الدخول أزيلت، وإن غالبية شوارع المدينة مفتوحة. في المقابل، قال سكان إن الدبابات اقتحمت بلدتين في شمال غربي سورية بالقرب من الحدود مع تركيا، لتوسع بذلك هجوماً عسكرياً على المنطقة. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن امرأة قتلت امس عندما اقتحمت 12 دبابة وعربة مصفحة وعشر حافلات كبيرة محملة بالجنود بلدة تفتناز الواقعة في ادلب على بعد 30 كيلومتراً من الحدود مع تركيا. ووقع هجوم مماثل على بلدة سرمين القريبة. وقال نشطاء حقوقيون إن قوات سورية قتلت أمس أربعة قرويين في بلدة بنش القريبة. كما أفاد المرصد السوري عن سماع اصوات اطلاق نار كثيف من رشاشات ثقيلة ودوي انفجارات في دير الزور، حيث يخشى السكان من ان يكون الجيش بصدد تنفيذ عملية جديدة. وقال المرصد إنه «شوهدت الدبابات وناقلات الجند المدرعة تجوب الشوارع في أحياء الشيخ ياسين والجبيلة والموظفين، مع استمرار سماع اصوات اطلاق نار من رشاشات ثقيلة ودوي انفجارات».