كنت أفضِّل لو اكتفيت بما كتبت أمس، عن تعامل الميديا الغربية مع الأخبار السعودية، غير أنني شعرت كمن اكتفى من «الجمل» ب «ودنه»، فالمادة إغراقية، وفي حين أنها تعكس أهمية المملكة العربية السعودية سياسياً واقتصادياً في منطقتها والعالم، فإن موضوعي هو أن هذه الأهمية تفرض على صاحب القرار السعودي أن يقلل من الخطأ ما أمكن، لأنني لا أطالبه بعدم الخطأ، فهذا في حاجة الى عصمة غير متوافرة للبشر. قرأت أخباراً مهمة، من نوع أن السعودية تلعب دوراً أساسياً في اليمن، وأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز عيّن الأمير عبدالعزيز بن عبدالله نائباً لوزير الخارجية، فالأمير سعود الفيصل يعاني مشاكل صحية منذ فترة، والسياسة الخارجية السعودية لها دور يستحق المتابعة، غير انني أتحدث عن الأخبار الأخرى. شركة ميمري للترجمة، التي كان وراء تأسيسها بنيامين نتانياهو في حكومته السابقة، ترصد الأخبار العربية بدقة، وتبحث عن شيخ في أعالي الصعيد لتترجم خطبته اذا كان فيها ما يُنتقد، وهي دقيقة، وفي الموضوع السعودي، قرأت لها متابعة للصحافة السعودية. رصدت صحف «الوطن» و «الجزيرة» و «الاقتصادية»، وعرجت على ما كتب زملاء في صحف أخرى، بمن فيهم أخونا داود الشريان في «الحياة»، وركزت ميمري على انتقاد الصحافة السعودية النظامين السوري والايراني، وأن سورية وصلت الى نقطة اللاعودة من دون أن تدعو الى إطاحة الرئيس بشار الأسد الذي أعلن إصلاحات صورية، ونسبت هذه المواقف الى احتجاج السعودية على علاقات سورية مع ايران ورفضها دور هذه الأخيرة في البحرين. على الأقل، الترجمة في ما سبق كانت صحيحة، ومن مصادر معروفة، غير أنني توقفت أمام كلام بوب غراهام عن دور سعودي رسمي مزعوم في مساعدة الارهابيين الذين نفذوا جريمة 11/9/2001. وغراهام يميني متطرف، إلا انه مهم، فقد كان عضواً في مجلس الشيوخ شارك في التحقيق في ذلك الارهاب، وحاكماً لولاية فلوريدا، ومستشاراً لوكالة الاستخبارات المركزية. غير أنني أرفض مزاعمه، لأنه كان يستطيع أن يعلنها وقت الحاجة أثناء التحقيق الرسمي بعد الارهاب، ثم إنه يتجاوز ان الارهابيين أنفسهم استهدفوا السعودية قبل اميركا، وهناك تعاون بين البلدين في مكافحة الارهاب. لذلك، فتوقيت الكلام دعاية رخيصة لكتاب عن الموضوع من تأليف غراهام عنوانه «مفاتيح المملكة»، ونعرف ان مفتاح غراهام إسرائيلي. أغرب مما سبق كان نقل وكالة الأنباء الرسمية الايرانية عن الحكومة تحذيرها السعودية من شراء دبابات من ألمانيا، لأنها تصبح «قريبة من العدو الصهيوني». كيف؟ لم أقرأ شرحاً مقنعاً أو غير مقنع، وانما قرأت لمسؤول ايراني قوله ان الشعب السعودي سيغضب من صفقات السلاح. ومنظمة مراقبة حقوق الانسان اعترضت أيضاً على الصفقة مع ألمانيا، ولكن من زاوية انها تأتي في زمن توتر شعبي، وهي ربَطَت بين حقوق الانسان في السعودية ودورها في قمع التظاهرات في البحرين. وكنت قلت في السابق وأقول اليوم ان للمتظاهرين في البحرين طلبات محقة، إلا ان التظاهرات تطورت لتصبح محاولة انقلاب ارتدت على أصحابها. وفي حين أنني أحترم كثيراً عمل منظمة مراقبة حقوق الانسان، وتحديداً سارة وِتْسون المسؤولة عن الشرق الأوسط، فإنني أصر على أن هتافات المتظاهرين طلباً لإسقاط النظام سمعها العالم كله، كما سمعتها أنا، ولا بد أن سارة وِتْسون التي تتقن العربية سمعتها أيضاً. طبعاً ليس كل خبر عن السعودية ليكودي أو إيراني، فهناك أخبار كل يوم عن إنتاج النفط وأسعاره، والبنوك السعودية والبورصة، وشبكة بلومبرغ نقلت عن مؤشر ستاندارد آند بور الاميركي أن البنوك السعودية بقيت بين الأكثر ربحية في العالم بسبب ارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي، وهذا رغم أن بنكين تملكهما عائلات عجِزا عن تسديد ديون قيمتها 15.3 بليون دولار. في الأخبار عن السعودية هناك جهل، وهناك خطأ، ثم هناك تمنيات ودسّ، فأقرأ خبراً عن ان السعودية نجت حتى الآن من «ربيع العرب»، إلا أن الهدوء على السطح، ولكن تحته توترات كامنة يتمنى الكاتب أن تبرز بسرعة. أفضل ما قرأت عن السعودية في الأسابيع الأخيرة كان ما كتبه الدكتور سلطان سعود القاسمي، ونشرته فصلية «فورين افيرز» الرصينة، فالكاتب وهو زميل في كلية دبي للإدارة الحكومية، ابن المنطقة وشيخ من أسرة حاكمة، لذلك فهو يعرف موضوعه، فلم أجد خطأ واحداً في مقاله الطويل عن عودة الود الى العلاقات بين السعودية وقطر، وانما معلومات موثقة، بعضها من رجال الحكم في البلدين. كل ما أرجو هو الحذر، فهناك أعداء معروفون للسعودية وكل بلاد العرب والمسلمين، وهم يبحثون عن الخطأ، فإن لم يجدوه اخترعوا ما يناسبهم. [email protected]