غامر مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (البنك المركزي) باتخاذ إجراء «انقسامي» يعتبر سابقة، عندما صوّتت لجنته المعنية بالسياسة النقدية بغالبية بسيطة أول من أمس، لمصلحة قرار يمدد تجميد سعر الفائدة الأميركية على الصفر لمدة لا تقل عن سنتين، معترفاً للمرة الأولى بتردي آفاق الاقتصاد الأميركي وتفاقم أخطار الركود. وشدد في بيان ختامي أصدرته اللجنة بعد اجتماع دوري، على أن قرار تجميد سعر الفائدة في النطاق الضيق الحالي الذي يراوح بين صفر وربع نقطة مئوية «حتى منتصف عام 2013 على أقل تقدير»، يهدف إلى توفير الدعم للانتعاش الاقتصادي والمساعدة على ضمان انضباط مستويات التضخم. وأشار إلى أن القرار نال تأييد رئيسه بن برنانكي، لكنه لم يحظ بإجماع أعضاء اللجنة العشرة، إذ اعترض ثلاثة من المحافظين، في سابقة هي الأولى منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، على فكرة تضمين البيان الختامي إطاراً زمنياً محدداً لفترة تجميد سعر الفائدة. وفشلت غالبية المحللين الاقتصاديين الأميركيين، بتقبل قرار التجميد المؤطر زمنياً، باعتباره «بلسماً لكل الجروح»، لكنها لم تقلل من أهميته في المساعدة على إخراج الاقتصاد الأميركي من كبوته الراهنة خصوصاً من طريق تشجيع الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي الشركات ورجال الأعمال على تسييل جزء من المدخرات الضخمة للاستثمار في النشاط الاقتصادي. ولتعزيز الدور المرتقب للقرار في تشجيع الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار الاقتصادي، أعلن المصرف المركزي عزمه الاستمرار بإعادة استثمار السيولة المتوافرة من رصيده الضخم من الدين الحكومي وسندات الرهون العقارية المقدر بنحو 2.5 تريليون دولار. واعترف بأن نقاشات لجنة السياسة النقدية خلت من أي خبر مفرح، فلم تأت مؤشرات النمو الاقتصادي أقل بقدر كبير مما كان متوقعاً فحسب، بل فشل الإنفاق الاستهلاكي، أحد أهم أعمدة الاقتصاد الأميركي، في تحقيق نمو يذكر، وازدادت أوضاع سوق العمل تدهوراً في الشهور الأخيرة ولا تزال سوق السكن معطوبة والاستثمار في الإنشاءات غير السكنية ضعيفاً. ولم يكن مفاجئاً، أن تعيد اللجنة النظر في توقعات النمو الاقتصادي المتفائلة التي أعلنتها في اجتماعها الأخير في حزيران (يونيو) الماضي، إذ أقرّت بأن «وتيرة الانتعاش في الفصول المقبلة ستكون أضعف قليلاً مما كان متوقعاً. كما استبعدت حدوث تحسن مفاجئ في سوق العمل مشددة على «تفاقم أخطار» الركود. وعلى رغم ذلك، رأى محللون أن النصف الثاني من السنة سيشهد تسارعاً في وتيرة النمو المسجلة في النصف الأول بما يصل إلى ثلاثة أمثال، ورجحوا أن تبلغ نسبة النمو الحقيقي 2.75 في المئة لا 3.5 في المئة التي كانت مرجحة سابقاً. وعزوا أهم الأسباب، إلى انحسار المعوقات الإنتاجية التي فرضتها كارثة «تسونامي» اليابانية على الاقتصاد الأميركي، مشيرين تحديداً إلى بدء انتعاش قوي في سوق السيارات الأميركية الشهر الماضي، حين قفزت النسبة السنوية للمبيعات إلى 12.2 مليون سيارة في مقابل 11.5 مليون في حزيران. ودفعت صدمة التوقعات إدارة معلومات الطاقة، إلى إعادة النظر في تقديرات استهلاك المحروقات، إذ على رغم تمسكها بتوقعاتها السابقة التي تنبأت ببلوغ متوسط أسعار النفط الخام الأميركي 96 دولاراً للبرميل هذه السنة، مقارنة ب 79 دولاراً عام 2010، توقعت في الوقت ذاته انخفاض الاستهلاك المحلي من المحروقات بنحو 150 ألف برميل يومياً (0.8 في المئة)، بعدما كانت توقعت الشهر الماضي زيادته بمعدل 30 ألف برميل. وبيّن أحدث تقارير الإدارة التابعة لوزارة الطاقة، أن واردات النفط الخام الأميركي لم تتأثر بتباطؤ النمو الاقتصادي في النصف الأول من السنة، بل ارتفعت من 8.7 مليون برميل يومياً في كانون الأول عام 2010 إلى 9 ملايين في أيار (مايو) الماضي. كما ارتفعت صادرات النفط الخام السعودية إلى السوق الأميركية في الفترة ذاتها من نحو مليون برميل إلى 1.2 مليون يومياً.