تشابهت ظروفهم ومطالباتهم فكان موقفهم واحداً، وهو الاحتجاج والتجمهر، إذ سارت في الآونة الأخيرة فئات من المجتمع على هذا الموقف للمطالبة بحقوقهم، بدواع عدة، أبرزها أن الجهات المعنية لم تأخذ أوضاعهم بعين الاعتبار، وأن المسؤولين لم يكترثوا بإنصافهم وتفعيل الأوامر الملكية، وبدوافع استقوها من مقولات مثل «ما يضيع حق وراءه مطالب»، وأن «الحقوق تنتزع انتزاعاً». وعلى رغم أن فئة الموظفين الحكوميين هم أول من قص شريط الاحتجاجات ابتداءً بحملات فيسبوك أو منتديات الشبكة العنكبوتية، وانتهاءً بالتجمهر والاعتصام أمام بوابات وزاراتهم، إلا أن ما أحدثته خريجات الثانوية في المنطقة الغربية اضطر الشرطة لتطويق المكان ونقل المصابات من أعضاء الكادر التعليمي، ومبادرة موظفات الأمن برش خراطيم المياه، الأمر الذي طرح تساؤلات مهمة عن مجمل التغيرات التي طرأت على المجتمع، ليتحول الفرد فيه للصدع برفضه لوضعه الخاطئ، والمطالبة بحقوقه بصوت عال. وقالت مها إحدى معلمات محو الأمية: «على رغم أن الأمر الملكي الذي اقتضى تثبيت المعنيين على البنود كافة بلا استثناء، كان واضحاً للعيان، إلا أن عدم أخذ الجهات المعنية أمرنا بعين الاعتبار، دفعنا إلى التجمع ونقل معاناتنا للإعلام، ما أسهم بصدور أمر ملكي آخر يقضي بشمول تثبيت جميع العاملين ببرنامج محو الأمية، إضافة إلى تثبيت البديلات والمسارعة في إنهاء إجراءاتهن»، بينما تحدثت المعلمة البديلة منى: «إذا كانت حقوقنا لا تأتي إلا بهذه الطريقة، فما المانع من اللجوء إليها وقت الحاجة». وأشار المهندس محمد إلى أن دور هيئة المهندسين كان سلبياً، ولم يستطع إيصال صوت المهندسين بالشكل المطلوب، ما أدى إلى عمل حملات إلكترونية عن طريق فيسبوك، والتجمهر أمام وزير الخدمة المدنية لتحقيق مطالبهم، التي وعدهم بها مند 2007، مثل توفير كادر خاص بالمهندس بمرتبات وبدلات وعلاوات تليق بطبيعة مهنته ولا تتساوى مع بقية التخصصات التقليدية. في حين ذكر أحد العاملين في محطة توليد الكهرباء في منطقة جازان (فضل عدم ذكر اسمه) أن السبب وراء امتناعه و200 من زملائه عن العمل قبل بضع سنوات والتجمهر في قلب الشركة «هو امتناع الشركة عن إعطائنا الزيادة التي نص عليها المرسوم الملكي (15 في المئة) لبدل الغلاء، ومثلها للزيادة في الراتب». وقال خريج المعهد الصحي الأهلي فهد: «تكبد والدي خسائر مادية لا تقل عن 50 ألف ريال لتدريسي، واستبشرت خيراً عندما أعلنت وزارة الصحة أنها بحاجة إلى خريجي المعاهد الصحية على لسان وزير الصحة السابق، إلا أننا صدمنا باكتفاء وزارة الصحة بإلحاق الوافدين للعمل تحت مظلتها، وفي هذه الحالة فإن الحملات الإلكترونية والاعتصامات ما هي إلا مظاهرات سلمية لا تضر أحداً». ولفتت إحدى خريجات الثانوية العامة، التي كانت من ضمن المتظاهرات أمام جامعة الأميرة نورة (فضلت عدم ذكر اسمها)، إلى أن حقيقة تصرفهن كان مقابل الحصول على قبول في الجامعة، وقالت: «على رغم أننا استوفينا شروط الجامعة ولا تقل معدلاتنا عن 85 في المئة، إلا أن ذلك دفعنا إلى المطالبة بحقوقنا بأيدينا أسوة بنظيراتنا في منطقتي مكةالمكرمة والمدينة المنورة»، أما الانتقادات التي تواجهنا من المثقفين والمسؤولين، فلأنهم يمتلكون مناصب وحاصلون على حقوقهم كاملة، ولو أن ابنة أحدهم لم يتم قبولها مثلنا، لما تأخر في تأييد مثل هذه المظاهرات». من جهته، أوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العقيل أن تصرفات بعض أبناء هدا الجيل ومبادراتهم في عمل المظاهرات والاعتصامات يعود لافتقارهم للإثارة أو ال«آكشن» في حياتهم، ما يدعوهم لمحاكاة المجتمعات الأخرى وما يحدث فيها من مظاهرات، لافتاً إلى أن مواجهة القضايا بالاعتصامات تهدد أمنه بشكل أو بآخر، مثل أن تعمد فئة شاذة لعمل مظاهرات للتمرد على القواعد والقيم الاجتماعية. وأضاف أن فرض العضلات على الدولة بهذه الطريقة أمر مرفوض، لأن ما يتم التجاوب معه اليوم من مطالب، تتسع دائرته غداً، وتصل إلى مطالب غير معقولة، لافتاً إلى أن استمرار ذلك من شأنه أن يترك انطباعاً عاماً عند الداخل والخارج، يكمن في أن الحق لا يؤخذ إلا بالقوة، إذ إن تأثير التنمية على حياة الناس أدى إلى شغفهم للحصول على حقوقهم بشكل سريع، وحق الإنسان على الدولة لا يضيع بل ربما يستغرق وقتاً أياً كان، يوماً أو أسبوعاً أو شهراً أو سنة أو أكثر، بسبب إجراءات بيروقراطية. وأضاف أن للإنسان حق المطالبة بحقه بالوسائل المشروعة والمتعارف عليها من الناحية القانونية والذوقية والاجتماعية، عبر قنوات معينة مثل مجالس الوزراء والأمراء، وتفعيل وإيجاد إدارات حقوقية داخل المؤسسات الحكومية تكفل سماع شكوى المواطن وحل مشكلته قبل أن تتفاقم، إضافة إلى مؤسسات اجتماعية من صنع المواطن، وليست تابعة لمؤسسات الدولة، مطالباً بإيجاد محاسبة إعلامية على من يتابع مثل هذه الاعتصامات أو يسعى لنشرها. وعن مقولة إن الجيل السابق نشأ على أسلوب تربية استسلامية فلم يستطع المطالبة بما يريده أو رفض ما لا يعجبه والتعبير عن حقوقه مثل ما يتمتع به الجيل الحالي، ذكر أن قضية الجيل الاستسلامي ما هي إلا خزعبلات نجح الإعلام في ترويجها، «وأن ذلك الجيل هو الذي بنى الدولة، وهو نفسه الذي جعل ابن هذا الجيل يقول ما يريده بكل حرية مطلقة، أما عن الاستراتيجيات والحلول، فقال: «المجتمع بحاجة إلى ترتيب أولوياته وتعويد الجيل الحالي على تحمل المسؤولية، وإعادة النظر في ما يبث في القنوات الفضائية من إعلام غير منضبط، كما طالب المؤسسات الحكومية بعدم استفزاز موظفيها بتجاهل شكواهم ومشكلاتهم». وفي تعليقها عما شهدته الجامعات من تجمهر للطالبات غير المقبولات، قالت الأكاديمية والناشطة في جمعية حقوق الإنسان سهيلة زين العابدين حماد في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية: «هؤلاء الطالبات يدافعن عن مستقبلهن وحياتهن، وإذا كن في السابق يقابلن الرفض بالصمت، أصبح لدينا من يطالب بحقه ولا يقبل السكوت، ما يدل على نضج الوعي الحقوقي»، مشيرة إلى أن «هناك مسؤولية على وزارة التعليم العالي ووزارة التربية في استيعاب خريجي الثانوية العامة، وأنه ينبغي إيجاد طاقة استيعابية أكبر في جامعاتنا». وأضافت أن المطالبة بالحقوق ظاهرة إيجابية نتمنى أن تعم كل مناحي الحياة، وليس في قبول الجامعات فقط، إذ إن المرأة يمكن أن تطالب بحقوقها أمام القاضي مثلاً، لافتة إلى أهمية ما قامت به مجموعة من الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، مثل حملات «بلدي». بينما كان وزير التعليم العالي خالد العنقري وصف الطالبات المحتجات ب«المندفعات»، وأن عدم قناعتهن بإجراءات القبول ليس مبرراً لتكسير الأبواب أو الاعتداء على الموظفات، وطالبهن بالصبر والتروي.