ربما يغلق شارع بأكمله في مكة، وتصطف قوافل السيارات في بقعةٍ ما منها، وهذا يعتبر طبيعياً في مدينة مقدسة يؤمها ملايين الناس، لكنك تعجب وتستغرب عندما تشهد جمعاً من الناس وهم يصطفون في طوابير طويلة وراء أحد الأكشاك الصغيرة، بحثاً عن مشروب حجازي عتيق، أو ما يعرف عند أهل الحجاز ب«السوبيا». وأوضح أحد بائعي السوبيا طلال خان ل«الحياة» أن لهف الناس على هذا المشروب ليس غريباً على مكة وأهلها وحتى القرى المجاورة لها، كونهم تعلقوا به منذ القدم، وألفوه وأحبوه، وباتوا لا يستغنون عنه، خصوصاً وهم يضعون مائدة الإفطار في شهر رمضان، لافتاً إلى أن محال بيعها باتت كثيرة ومنتشرة في كل حي من أحيائها، وبات متاحاً للكثير الحصول عليها من دون مشقة أو عناء. وكشف أن هناك اثنين فقط من محالن بيع هذا المشروب في مكة، أحدهما بالقرب من الحرم المكي الشريف، وتحديداً عند حي «الهجلة»، والآخر باتجاه الحرم من الغرب، وهو ما يعرف حالياً ب«طلعة الحفاير»، مشيراً إلى أن المحلين اختفيا تماماً بعد المشاريع التطويرية الأخيرة. ومحيت صورتهما من الخريطة المكية الحديثة. ولفت إلى أن كثيراً من الأسر المكية العتيقة اشتهرت بصنع هذا العصير المكون من الشعير والزبيب والسكر والماء، ولكنها تركتها وتناستها واتجهت إلى أعمالٍ أخرى، خصوصاً مع تقادم الأيام وتطور آلة العمل الحديثة وقال: «لعل من أبرز العائلات المكية التي اشتهرت بصنع مشروب السوبيا هي عائلات الحنفي والخضري واللبان والبانة، وغيرها من العائلات العتيقة في مكة»، مشيراً إلى أن بعضها حافظ على هذا الإرث، واستطاع صناعة اسم تجاري قوي من خلال الاهتمام به وتطوير أدواته وتنظيمها. كما أن بعض الأسر باتت تصنع السوبيا في منزلها ولم تعد تشتريها من الخارج. وعن كيفية صنع هذا المشروب، أوضح أن لصنع السوبيا طرائق عدة، لكن أشهرها تلك التي تبدأ بطبخ الشعير بعد فرزه من كل المشوبات ثم إضافة بعض الهيل والقرنفل عليها وعصرها حتى يصبح سائغاً شرابها، ثم يضاف عليها قليل من السكر ولونا الصبغة اما الأحمر أو الأبيض، ويتم تبريدها في مكان بارد، ومن ثم إعدادها للبيع، لافتاً إلى أن السوبيا البيضاء تصنع من الشعير، فيما تصنع السوبيا الحمراء و«الكوجراتي» أو ما يعرف ب«الكركديه» من الزبيب الطائفي البلدي. وألمح إلى أن لهف الناس على شراء «السوبيا» في مكة يزداد خلال شهر رمضان كونه يعتبر من المشروبات التي كانت قديماً لا تصنع ولا تباع إلا في هذا الشهر، إضافةً إلى التصاقه بأذهان الناس خلال هذا الشهر تحديداً، مؤكداً أن الوضع أصبح حالياً متاحاً أمام الجميع لصنع وبيع هذا المشروب العتيق، وهو ما تسبب في ضياع هويته وصورته الجميلة التي كان يحملها في السابق. من جانبه، طالب وليد جابر أحد الباعة الجائلين للسوبيا في مكة بضرورة أن تتدخل الجهة المسؤولة لحمايتهم من تسلط المحال الكبرى والتي تمنعهم - على حد قوله - من البيع والشراء أمام محالهم، مؤكداً أن ذلك ليس من حقهم، مشيراً إلى أن قضيته وصلت مع أحد محال السوبيا إلى أقسام الشرطة بسبب منعه من البيع أمام ذلك المحل. ولفت إلى أنه يعمد إلى شراء كميات كبيرة من السوبيا من المحل نفسه، ويبيعها على الناس بزيادة بسيطة، خصوصاً لمن لا يرغبون في الوقوف في صفوف طويلة بانتظار أن يصل إليهم دور الشراء الذي ربما يستمر لأكثر من ساعتين تبدأ مع انتهاء صلاة العصر وحتى قبيل أذان صلاة المغرب بلحظات. يذكر أن لتر السوبيا يباع بخمسة ريالات سعودية، كما أنها تتوافر طوال العام في محال مخصصة لبيعها، لكن السعوديين في مكة وما حولها يحرصون على شربها في رمضان تحديداً.