طوابير طويلة، تتلوى مثل أفعى داخل مطار «هيثرو» في العاصمة البريطانية لندن، تحمل في أحشائها مسافرين سعوديين، ضجيجهم يملأ المكان، والعربات التي تجر حقائبهم في طول «حافلة نقل»، يستجدون حجزاً للعودة، ويصرون على أن يذهب «عفشهم» الزائد عن الحمولة المسموح بها، معهم في الطائرة نفسها، من دون أن يدفعوا ريالاً واحداً ثمناً له. وإن أردت أن تدل أحد على «كاونترات» الخطوط السعودية في مطار «هيثرو»، فإن الأمر لن يتطلب منك وصفاً دقيقاً، كل ما عليك قوله للسائل «إن المكان الذي يزدحم فيه وحوله الناس هو المكان الخاص بالمسافرين السعوديين العائدين إلى بلادهم»، على متن طيرانهم «الرسمي». ست ساعات عاشتها «الحياة» في المطار، لترصد ما يحدث عن قرب، ولتفهم كيف يتخّلق هذا الزحام، ويختنق الوقت، وتتعطل الإجراءات، ويتحمل موظفو «الخطوط السعودية» أعباء مضاعفة، لا يتحملها أقرانهم في خطوط طيران أقل خبرة وازدهاراً؟!. المدير العام لخدمات الركاب والمبيعات لإقليم أوروبا عبدالله الحسيني، يخترق دوائر الزحام، يسأل عن المشكلات، يحل ما يقدر على حله فوراً، أما ما هو خارج أسوار النظام وسلطته، فيحيله إلى قائمة الانتظار، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فالناس لا تتوقف عن بث الشكوى له، بحق أو من غير حق، وهواتفه النقالة، لا تكف عن الرنين، والكل يرغب في السفر إياباً إلى «السعودية»، إذ أكتشف هؤلاء فجأة أن صيام رمضان في «لندن» لا يطاق، فساعات الإمساك طويلة جداً، وساعات الإفطار لا تكفي لملء المعدة بالأكل، والرئتين ب»الدخان»، لذا فإن الصيام في بلادهم «الملتهبة والجافة» أهون عليهم من بريطانيا «الناعمة الباردة». يقول الحسيني معلقاً على الوضع - الدائم صيفاً - الذي يضطر لمواجهته ومن معه يومياً: «نحن نفعل ما بوسعنا، لكننا نحتاج إلى أن يصبح المسافر أكثر ثقافة بالسفر، لم يعد مقبولاً أن تركب الطائرة ذاهباً إلى وجهتك السياحية، من دون أن يكون حجز الإياب في جيبك، هذه الارتجالية في التخطيط للسفر تضرّ بنا وبالمسافر نفسه، وتضعنا معاً في قلب المشكلة». ويضيف: «المزعج في الأمر، أن المشكلات نفسها تتكرر، وهذا يعني أن هناك أناساً لا يتعلمون من تجاربهم، معتمدين على «الحظ السعيد»، وعلى «الفزعات» التي يجدونها في المطار». ويستدرك الحسيني: «واجبنا أن نخدم المسافرين، وأن نؤمن لهم رحلة طيبة ومريحة، ونبذل وسنبذل من أجل ذلك كل جهدنا ووقتنا، لكننا نحتاج إلى أن يعي مسافرون أهمية التخطيط لرحلاتهم، وتأمين كل متطلبات سفرهم «الإجرائية»، وأن يشعروا بأنهم جزء من مسؤولية الرحلة التي يذهبون ويعودون على متنها». ويكشف الحسيني أن جدول الرحلات بين لندن والسعودية، يضم 13 رحلة أسبوعية، سبعٌ منها تأتي من جدة وتذهب إليها، والستُ المتبقية تولّي الرياض وجهها «روحة» و»جيئة»، ولفك الضغط على الناس والطائرات، اضطرت الخطوط «السعودية» لمواجهة التدفق الزائد لمسافرين من أبناء جلدتها «إياباً» أن تسيّر رحلتين إضافيتين يومياً (طائرات جامبو 747 بحمولة 358 مقعداً)، ومع ذلك بقي «الزحام» شاخصاً كتمثال حجري لا يتزحزح، أما «لماذا؟!» حيث كان سؤالنا، فيجيب المدير العام لخدمات الركاب والمبيعات لإقليم أوروبا بقوله: «هذه الرحلات تم تسييرها لتخفيف الضغط على الرحلات المجدولة أصلاً، لكننا فوجئنا بمسافرين يحملون تذاكر عودة مؤكدة الحجز في الأيام الأولى من رمضان وحتى ال 20 منه، يأتون إلى «كاونترات» الخطوط ويرغبون في تعديل حجوزات عودتهم، إلى الأيام الأخيرة من شهر شعبان، وهو ما يتسبب في الزحام الذي يولد من رحمه «غالباً» فوضى لا نتمنى ولادتها»، لافتاً إلى أن تداخل عودة المصطافين، مع موسم العمرة الرمضانية، عبء آخر، تعمل الخطوط السعودية على جعله تداخلاً سلساً. زحام يتراكم شيئاً فشيئاً مع اقتراب موعد الرحلة.