"إرحل بقه... إيدي وجعتني"، "إرحل: عايز استحم"، "الولية بتولد والواد مش عاوز ينزل ويشوفك"، "نقابة النجارين في مصر تسأل مبارك عن نوع الغراء الذي يستعمله ليلزق بالكرسي"، "إرحل: يا بخت من "حكم" وخفف"، "إرحل: عايز أرجع لخطيبتي وأتجوّز"... ليست العبارات السابقة سوى غيض من فيض الشعارات الساخرة التي رافقت انتفاضة الشعب المصري خلال "ثورة 25 يناير". كيف تأتى أن تجتمع الفكاهة مع حدث جلل رافقه الموت الذي أرخى بظلاله على أجساد ما يزيد على 880 شهيداً من "الورد اللي فتح في جناين مصر"؟ ما هي علاقة الضحكة بالغضب والمرارة والسخط والتبرم بواقع الحال وإمعان الفكر في سبل تغيير الواقع وشحذ الإرادة والعقل للتصدي لمهمة كبرى مثل إسقاط نظام قمعي جثم عقوداً على صدر "أم الدنيا"؟ ربما تردّ بعض هذه الأسئلة الى كتاب "النُكت وعلاقتها باللاوعي" Jokes & their relation to the Unconsciousness (1905) الذي وضعه سيغموند فرويد (1856- 1939)، مؤسس مدرسة التحليل النفسي في مطلع القرن الماضي. واللافت أنه ظهر بالترافق مع كتابه الأكثر شهرة "تفسير للأحلام" Interpretation of Dreams، الذي تقاطع أيضاً مع ظهور النظرية النسبية على يد العالِم آلبرت إينشتاين. يجمع بين هذه الكتب أشياء لا تحصى، منها أنها قلبت مفاهيم راسخة عن المواضيع التي تناولتها، بداية من النكتة والحلم ووصولاً إلى تركيبة الكون والزمن وعلاقة الإنسان بهما. وربما كانت هذه الأشياء مترابطة مع بعضها أيضاً بأكثر مما يبدو على السطح. أين موقع النكتة في هذا التشابك كلّه؟ تحضر هذه الأسئلة وسواها عند مطالعة كتاب "في دواخل النكت: إستخدام الفكاهة لهندسة العقل مقلوباً" Inside Jokes: Using Humor to Reverse-Engineer the Mind ، الذي صدر أخيراً عن جامعة كامبريدج (ماساشوستس- 2011)، وهو من تأليف ماثيو هورلي ودانييل دينيت وريجينالد أدامز. يبدو الكتاب وكأنه يستعيد سؤالاً أصيلاً عن علاقة النكتة بالعقل ودروبه المتشابكة. وكذلك يعتبر الكتاب طريفاً لسببين على الأقل. فمن جهةٍ أولى، إنه طريف لأنه يحتوي على نكتٍ مضحكة على غرار "سخر سائح أميركي من مواطن ياباني في مقبرة قائلاً: "متى ينهض موتاكم ليأكلوا أطباق الرز التي تضعوها قرب قبورهم"؟ فردّ الياباني بهدوء: "عندما ينهض موتاكم ليشموا أكاليل الورد التي تضعوها على قبورهم"! إنها نكتة مضحكة قليلاً ربما لأنها واضحة، ويمكن فهمها بسهولة ولا تسبب أي إرباكٍ أو إزعاج. غير أنها طريفة أيضاً لأنها غريبة، وتحمل اهتماماً عاماً وتثير أسئلة غير مألوفة. من جهة ثانية، يذكّر الكتاب ببداهة معروفة وهي أن العلم يتقدم عَبر طرح أسئلة جديدة. في الكتاب، كثير من الأسئلة. لماذا نستمتع بالفكاهة؟ لماذا نضحك بصوتٍ عالٍ؟ لماذا نُخبر النكت؟ لماذا نولي كلّ هذه الأهمية لسماع النكت؟ لماذا تعتبر بعض النكت طريفة على عكس غيرها؟ حتى عند تأمل النكت الطريفة، ما الذي يجعل بعضها مضحكاً أكثر من غيرها؟ لماذا تعتمد الدعابة على المعرفة والثقافة؟ لماذا تجعلنا بعض الدعابات والأفلام السينمائية القديمة "نموت" ضحكاً؟ في المقابل، ثمة نكت وتوريات تنطفئ عندما تتكرّر. لماذا يعتبر التوقيت والتسلسل المنتظم، فائقي الأهمية عند إخبار النكت؟ لماذا تتناول الدعابة الأشخاص دائماً ولا تدور أبداً حول الصخور أو الورود، إلا في حال كانت ترمز الى أشخاص أيضاً؟ ما الذي يجعل الكاريكاتير والسخافات والتناقضات أمراً مضحكاً؟ لماذا تعتبر إخفاقات البشر ونقاط ضعفهم مُضحكة؟ كيف تختلف النكتة عندما يرويها شخص عن نفسه، عنها حين تروى من قبل شخص آخر؟ الإجابات عن تلك الأسئلة في "الحياة" يوم الأحد المقبل - من إعداد القسم العلمي بالتعاون مع قسم الترجمة.