واشنطن، باريس، بكين - أ ف ب – مرّت التسوية التي توصل إليها البيت الأبيض والزعماء الديموقراطيون والجمهوريون حول رفع سقف الدين العام، في مجلس النواب الأميركي أول من أمس، وكان شبه مؤكد اقرارها في مجلس الشيوخ مساء أمس. واقترع النواب لصالح المشروع بغالبية 269 صوتاً في مقابل 161. ويترك اتفاق رفع سقف الدين الأميركي المجال مفتوحاً لاستمرار العجز الضخم في الموازنة الأميركية، إذ لا يشمل زيادة في العائدات الضريبية تعوض الارتفاع المرتقب في النفقات. ورأى محللون في مصرف «باركليز»، أن التسوية «لا تعالج العجز في شكل يوحي بالصدقية». وتوقع مكتب الموازنة في الكونغرس، أن ترتفع النفقات «الاستنسابية» الخاصة بالوزارات في شكل أبطأ مما هي عليه حتى الآن خصوصاً بعد عام 2014، غير أنها ستستمر على رغم ذلك في الارتفاع وكذلك نفقات الرعاية الاجتماعية. كما تبقى كلفة قروضها من الأكثر تدنياً في العالم، لكن ليس مؤكداً استمرارها على هذه الحال، إذا لم تقلص إلى حد كبير عجزها المالي البالغ 9 في المئة من ناتجها الداخلي أي الأكثر ارتفاعاً بين دول مجموعة العشرين بعد اليابان. ولم يشأ الكونغرس في الوقت الحاضر زيادة العائدات معولاً على النمو الاقتصادي. لكن هذا الرهان ينطوي على مجازفة. إذ اعتبر الخبير الاقتصادي غاري بورتلس في تصريح إلى «وكالة فرانس برس»، ضرورة «التنبه إلى عدم كفاية العائدات لتغطية تكاليف الدولة على المدى البعيد». وحذر بول كروغمان الحائز جائزة نوبل للاقتصاد والمعارض بشدة للتقشف في الموازنة، من أن «النمو الاقتصادي في خطر»، وكتب في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «الاقتطاع من النفقات في ظل التباطؤ الاقتصادي لن يساعد كثيراً حتى في تحسين وضع الموازنة بل يمكن أن يزيدها تفاقماً». ولم تدم موجة التفاؤل التي شهدتها الأسواق أول من أمس مع إعلان التوصل إلى تسوية، إذ أقفلت بورصات أوروبية كثيرة على خسائر. كما لم ينجح الاتفاق في تبديد الشكوك المحيطة بمستقبل الاقتصاد الأميركي، إذ ألقت ظلالها أمس على الأسواق المالية ولا تزال تضغط على الاقتصادات الأوروبية الأكثر هشاشة. كما لا يحجب الاتفاق المشكلة الأساس، وهي أن ضخامة الدين يقابلها نمو ضعيف، وهي عناصر تبعث المخاوف من خفض علامة الولاياتالمتحدة لدى وكالات التصنيف الائتماني. وأشار محللون في شركة «كريدي موتويل - سي ايه سي ان»، إلى أن «التسوية لن تسمح بترميم الثقة في الطبقة السياسية والاقتصاد الأميركي». وشددوا على أن «لا ضمانة بألا تعمد وكالات التصنيف الائتماني إلى خفض علامة الولاياتالمتحدة». ورأوا ضرورة «توضيح الاتفاق لإعطاء رد قادر على دفع الاقتصاد الأميركي نحو مسار سليم». وأفضت نتائج الحذر حيال الوضع الاقتصادي الأميركي، إلى إقبال المستثمرين على السندات الأكثر أماناً، والتي تحظى بالعلامة القصوى «ايه ايه ايه»، ومنها مثلاً سندات الدين الألماني التي تستخدم مرجعاً. وأدى ذلك في المقابل إلى ارتفاع الفوائد على السندات الاسبانية والايطالية لعشر سنوات الى مستويات تاريخية جديدة منذ قيام منطقة اليورو، فضلاً عن البرتغالية الطويلة الأجل، فيما استقرت الفوائد على الديون اليونانية. واعتبر وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر في مقابلة مع قناة «إي بي سي» أول من أمس، أن الاتفاق سيكون «أمراً جيداً للاقتصاد على المدى الطويل». ولفت إلى أن «هذا الاتفاق لوحده لا ينشئ وظائف، وما يقوم به هو تفادي مزيد من الأضرار على المدى القصير». وجاءت تعليقات الصحف الأميركية على الاتفاق غير حماسية ومنتقدة أحياناً أخرى. وعنونت «نيويورك تايمز»: «اتفاق مفزع، لتفادي الفوضى»، في حين أبدت «شيكاغو تريبون» خشيتها «ألا يكون النص كافياً لتمكين الولاياتالمتحدة من الحفاظ على تصنيف دينها العام»، وهو أعلى تصنيف ممكن حالياً. كما أثارت الأزمة انتقادات في الخارج، إذ اتهم رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الولاياتالمتحدة، ب «تطفّلها» على الاقتصاد العالمي من خلال تجميعها الديون الضخمة التي تهدد النظام المالي العالمي. واعتبر في كلمة ألقاها أمام تجمع شبابي مؤيد للكرملين وسط روسيا، أن الولاياتالمتحدة «بلد يعيش على الديون وليس ضمن إمكاناته، ويلقي ثقل المسؤولية على الدول الأخرى ويتصرف في شكل من الأشكال مثل الطفيليات». ولمح إلى أن واشنطن «ربما فكرت في إعلان التخلف عن التسديد لإضعاف الدولار، وإيجاد ظروف افضل لتصدير بضائعها». وفي الصين، اعتبرت الصحف الرسمية الصادرة أمس، أن الاتفاق الأميركي «يتضمن أخطاراً يمكن أن تزعزع الاستقرار لأنه لم يقدم حلولاً لمشاكل كثيرة». واعتبرت «وكالة الصين الجديدة»، أن الولاياتالمتحدة تظل «اقتصاداً مديوناً»، كما لا تزال أخطار عجزها عن التسديد تلوح على المدى البعيد. واعتبرت قناة «سي سي تي في» الرسمية أن الاتفاق الاميركي، «استعراض سياسي يثير ضجة إعلامية أكثر مما هو اتفاق على الجوهر». وتعتبر الصين من اكبر دائني الولاياتالمتحدة وبلغت قيمة سندات الخزينة الأميركية التي تملكها 1160 بليون دولار في أيار (مايو) الماضي.