أطلعت على توجيه صدر الأسبوع الماضي من النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز وجه خلاله أمراء المناطق بعدم إزالة أي مبنى تراثي إلا بعد التنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ للتأكد من أهميته التاريخية والعمرانية والإبلاغ عن أي تعديات أو إزالة للمباني التراثية، ولاشك أن مثل هذا القرار يعد من القرارات الحكيمة للحفاظ على ما تبقى من ثروة تراثية معمارية فقدت المملكة الكثير منها إن لم يكن معظمها عبر عمليات تدمير وإزالة مستمرة تقوم بها بعض الجهات مثل البلديات وأصحاب المباني أنفسهم، وقد وصلني قبل فترة إهداء قيم لكتاب صادر عن الهيئة العامة للسياحة والآثار يتناول الرحلات الاستطلاعية التي نظمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار لبعض مسؤولي المناطق والمحافظين ورؤساء البلديات لبعض الدول العربية والأجنبية للإطلاع عن كثب لتجارب تلك الدول في الحفاظ على التراث العمراني وتحويله إلى نشاط اقتصادي مهم لتلك الدول، وهو كتاب جميل يعطي صورة واضحة وإيجابية عن الدور الذي تقوم نه الهيئة تجاه المباني القديمة والقرى والأسواق الشعبية وغيرها، وذلك عبر توعية مسؤولي تلك الجهات بأهمية هذه المواقع وعدم هدمها بل الحفاظ عليها واستثمارها وتنميتها، لتحقيق منتجات تراثية سياحية توفر فرص عمل جديدة للأسر المنتجة والحرفيين وكذلك تضفي زخماً مرغوباً على سوق المنتجات السياحية التي يرغبها السياح ويقلون عليها. وقد بحثت في تنظيم هيئة السياحة الموجود على موقع هيئة الخبراء بمجلس الوزراء ووجدت في مادته الرابعة أن من اختصاصات الهيئة إضافةً لحماية الآثار والمباني التراثية هو «دعم الجهود التي تشجع على الحفاظ على التراث العمراني والشعبي والحرف والأسواق»، ولاشك أن التنظيم واضح ويتحدث عن «دعم الجهود»، فمثل هذه المهمات لا يجب أن تقوم الهيئة بها لوحدها فهي من مهام جهات أخرى فالتراث العمراني وترميمه في كثير من دول العالم هو من مهمات البلديات وفي كل بلدية يوجد قسم عمراني من مهماته الترميم ومنع الهدم والاستثمار في هذه المواقع، والأمر نفسه ينطبق على مهام أخرى بعضها يدخل في مهام وزارة الثقافة والجمعيات الأهلية مثل الحرف اليدوية والألعاب الشعبية القديمة، وكل ما يندرج تحت الثقافة مثلاً هو من مهام وزارة الثقافة والإعلام، وكل ما يندرج تحت البناء والعمران هو مهمات البلديات. ما أسعدني بالكتاب المذكور أن بعض رؤساء البلديات أدركوا بعد هذه الزيارات أن مهماتهم هي الحفاظ على المباني القديمة وفتحها للسياح، وليس كما كان يفعل الكثير منهم بأن يضع أولى أولوياته تدمير تلك المواقع بحجة أنها أصبحت مرتعاً للقطط والكلاب، فلو أنها استثمرت وتم تنميتها لما أصبحت مرتعاً للقطط، ولو أن الفكر الإداري كان واعياً لما كانت رؤية رئيس تلك البلدية لهذه المباني بهذه الصورة الضيقة ولعرف دوره الحقيقي. أعتقد أن قرار وزير الداخلية بمنع الهدم نهائياً إلا بعد الرجوع والتنسيق مع هيئة السياحة إن كان الموقع صالحاً أم لا، قد وضع النقاط أخيراً على الحروف وبلاشك أن ذلك سيمثل دفعة قوية للحفاظ على ما تبقى من التراث العمراني لدينا وأعتقد أن الدور الأكبر في الفترة القادمة يقع على البلديات في الحفاظ على مواقع التراث العمراني وفتحها للزوار، وأن يكون دور هيئة السياحة مسانداً بفتح برامج تدريبية لتأهيل المواطنين للعمل في هذه المواقع ووضع مواصفات إرشادية وفق أفضل المعايير العالمية لتطويرها، وأن تتفرغ الهيئة بالتركيز على دفع صناعة السياحة والآثار بمشاريع حقيقة كبرى مثل بقية دول العالم، بدلاً من الانشغال بتفاصيل هي من مهمات جهات أخرى مثل ترميم قصر أو مبنى قديم أو تهيئته فذلك من مهمات قطاع البلديات أولاً وأخيراً. أتمنى أن يفعل مثل هذا القرار بشكل فوري حتى نحافظ على تراثنا العمراني الذي هو جزء من هويتنا الوطنية ويعكس البعد الحضاري لهذه البلاد، وهي في اعتقادي مسؤوليتنا جميعاً ولكن في مثل هذه الظروف يكون الطرف الرسمي هو من يجب أن يأخذ زمام المبادرة وهو ما تجلى في القرار الأخير. [email protected]