أوصت دراسة أكاديمية حديثة بإنشاء هيئة أو وزارة مستقلة تعنى بأمور الزواج والعلاقات الأسرية، وحضت وزارة العدل والشؤون الاجتماعية في السعودية قبل إنشاء تلك الجهة على وضع «تنظيم سجل الوسطاء في النكاح، لتكون المسألة مقننة ومنظمة»، وذلك بعد ملاحظة الدراسة إقبالاً واسعاً على عمل الوسطاء، بسبب وجود آلاف الشبان والفتيات «العوانس». وأشار الأكاديمي في كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد بن سعد الدوسري، إلى أن إنشاء مواقع إلكترونية للتوفيق بين طالبي الزواج جائز، إلا أنه وضع لذلك ضوابط، أكثر تلك المواقع لا تلتزم بها، إذ قيد الجواز ب«عدم عرض صور الأشخاص عبر المواقع، وعلى وجه الخصوص صور النساء»! وأبرز في بحث محكم نشرته مجلة «العدل» أخيراً سلبيات قال إن المواقع الأكثر رواجاً في الوساطة تعاني منها، فرأى أنها تؤدي إلى «إضعاف أهمية عقد الزواج، وتعظيم أمره في النفوس، فلا شك في أن هذه المواقع على الإنترنت كثيرة، وهي بين مواقع متخصصة في عرض الزواج، وخدمات تقدمها بعض المواقع رغبة في تكثير عدد متصفحيها، فأصبحت تجارة رائجة عند البعض، ما أخرج الزواج عن معناه المقصود في الشريعة». وتمثل «الوساطة في عقد النكاح» في المجتمعات العربية والإسلامية والأقليات في البلاد الغربية عنصراً مهماً كما يقول الباحث في «تسهيل عملية التوفيق بين طرفي عقد النكاح، الهادف إلى مؤسسة الزواج وتكوين أسرة وأطفال، وتطورت هذه الوساطة مع التقدم التقني، إذ لم تعد تقتصر على الخطابين والخطابات فحسب! إنما وصلت إلى مواقع الإنترنت الخاصة بالزواج، التي لها من المميزات والمساوئ، ما قد يرفضها البعض فيما يؤيدها البعض الآخر». وتكمن أهمية الوساطة لعلاقتها الوثيقة باختيار الطرفين الزوج والزوجة، وكذلك في قضية الخطبة وطلب الزواج نيابة عن الخاطب، وفي موضوع النظر إلى المرأة المخطوبة إلى أن يتم عقد النكاح، وهو ثمرة عملية الوساطة. وأكد الدوسري أن النصوص الشرعية أجازت الوساطة في النكاح، واتفق العلماء على جوازها كما هي جائزة في عقود المعاملات المالية لتشابه العقدين من حيث دخوله في العقود العامة فهو عقد بين طرفين. وللوساطة صور مختلفة وأنواع عدة، «منها المزدوجة أي أن الوسيط يكون بين الطرفين للخاطب والمخطوبة، وهناك الوساطة المنفردة عكس المزدوجة، والوساطة الفردية تكون من فرد واحد، والوساطة المشتركة تكون من لجان وشركات متخصصة في هذا المجال، والوساطة اليسيرة، والمتعمقة والوساطة مع الالتزام والضمان، والوساطة مع عدم الضمان، والوساطة بعوض ومن دون عوض». وبالنسبة إلى الشروط الواجب توافرها في الشخص الوسيط بحسب الأكاديمي في جامعة «الإمام»، فهي أن يتحلى بصفات عدة، وهي الإسلام، لأن الوسيط أثناء عمله يتطلب الاطلاع على بعض أسرار الطرفين، فلا ينبغي أن يطلع عليها غير المسلم، وصفة العدالة والأمانة وذكر محاسن وعيوب الطرف الآخر، إذ لا يدخل ذلك ضمن الغيبة المحرمة. ويجوز للوسيط أخذ أجرة على وساطته من طرف واحد أو من كليهما الزوج والزوجة، بشرط أن تكون هذه الأجرة معلومة ومتفق عليها، وألا تكون مقدرة بالنسبة إلى المهر، إنما محددة بمبلغ معين ولا علاقة بينها وبين قيمة المهر المدفوع. وفي السعودية تقوم جهات أخرى بدور الوسيط في عقد الزواج، تشمل اللجان والمؤسسات والجمعيات الأهلية، تختلف عن الوساطة الفردية عند الباحث، بوصفها «شاملة كونها تسهم في تيسير أمور الزواج المادية، إضافة إلى دورها في التوجيه والإصلاح الأسري للتخفيف من نسب الطلاق، إذ تتم الوساطة فيها عبر برامج عملية تختلف من جهة إلى أخرى بآلياتها وأهدافها في عملية التوفيق بين الطرفين، وتمتاز هذه اللجان بسرية معلوماتها وأمانتها، إلا أنها تشوبها بعض العوائق بقلة الدعم من البعض، وعدم عرض الولي لمن تحت وصايته من النساء للزواج من طريق هذه المؤسسات، نتيجة سطوة العادات على الناس التي تعيب هذه الطريقة في الزواج». وتنتشر تلك الجهات في الكثير من المدن الرئيسة بالسعودية، منها الجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج في جدة، والجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج في مكة، ومشروع ابن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج في الرياض، وغيرها من المؤسسات واللجان. ورجح الفقيه السعودي أنه «لا بأس في عرض المرأة نفسها على الوسطاء، بهدف الزواج تماماً كالرجل، بشرط أن يكون هذا الوسيط امرأة، كما لا يمنع أن تخطب لنفسها إن كانت امرأة رشيدة ثيباً وليست بكراً، والأصل في ذلك أن تُخطب المرأة من وليها، وله أن يعرضها إلى الصالحين من الرجال بقصد الزواج، وكذلك يجوز لكلا الطرفين أن يعرضا نفسيهما بقصد الزواج من خلال المواقع الإلكترونية، وفق ضوابط تحقق الحماية والسرية لهما، إذ يعتبر الإنترنت من الوساطة في عقد الزواج». وعلى رغم تفاؤل الباحث الدوسري بفائدة الوساطة في النكاح، إلا أنه أقر بأن «مسألة العثور على زوج مناسب أو زوجة مناسبة تعد من أعقد الأمور التي ربما تواجه الإنسان». وأوصى بتضافر الجهود من الجهات المعنية كافة، من مؤسسات وهيئات وأفراد ولجان وشرائح المجتمع كافة نساء ورجالاً، «لتسهيل الطرق المشروعة الهادفة إلى التوفيق بين طرفي الزواج، وإتاحة الفرص للشبان والشابات في إكمال نصف دينهم، والمشاركة في حل معضلة العنوسة وتأخر سن الزواج».