كانت المصادفة العنصر الأساسي في دخول الفرنسية الجزائرية ليلى بختي عالم السينما. فالشابة المولودة في ضاحية إيسي لي مولينو الباريسية منذ 25 سنة، صارت ممثلة اثر إرسالها صورة مصغرة لها إلى المسؤولة عن اختيار الممثلين في الفيلم السينمائي الفرنسي الذي أنتجه فانسان كاسيل وأخرجه كيم شابيرون تحت عنوان «شيتانا». عملت ليلى بنصيحة إحدى صديقاتها التي شجّعتها على التقدّم الى امتحان الممثلين، لاعتقادها أن ليلى تناسب الشخصية الموصوفة من قبل الشركة المنتجة للشريط، في الإعلان المنشور في الصحف. واستطاعت ليلى الفوز بالدور النسائي الأول في الفيلم المذكور وهو عمل ينتمي إلى اللون المخيف، نزل إلى الصالات الفرنسية في النصف الأول من العام 2006 ولم ينجح جماهيرياً على المستوى العريض، غير أن أهل المهنة السينمائية، من نقاد ومخرجين، لاحظوا موهبة ليلى وجمالها، ما جعل الممثلة الناشئة تتلقى مزيداً من العروض الخاصة بأدوار كبيرة وجذابة في أفلام للشاشتين الكبيرة والصغيرة. وقبل أن تحترف ليلى الدراما، كانت تبيع الثياب في المحل الذي يملكه شقيقها في مدينة أورليان الفرنسية. لكنها لا تزال تتردد إلى هذا المكان كلما سمح لها وقتها بالأمر، وتبيع الفساتين والسراويل وكأنها لم تحترف أي مهنة ثانية في الوجود. وظهرت ليلى في فيلم «حركي» الذي يروي استقلال الجزائر، ويسلط الضوء على حكاية الجزائريين «الحركي» الذين تركوا بلدهم عام 1962، وأرادوا الإقامة في فرنسا، فتعرضوا لأسوأ أنواع المعاملة من جانب الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت. هذا غير عملها في الفيلم الفكاهي «غشاشون» الذي يسخر من جنون العظمة الذي قد ينتاب كل من يملك في يوم ما، ذرة من السلطة على غيره. وتسعى بختي، حالها حال غيرها من الممثلات الفرنسيات الشابات المنتميات إلى أصل من المغرب العربي، إلى الفرار بعيداً من سجن الأدوار المبنية من حول الهوية العربية المميزة، وهذا ليس لأنها تنكر جذورها ولكن بسبب الصورة السلبية التي كثيراً ما تنقلها السينما الفرنسية عن العربيات المغتربات. وتحلم بختي باليوم الذي سوف تعثر فيه شخصياً على نوع الأدوار الإيجابية التي صار يؤديها الآن كل من رشدي زم وسامي بوعجيلة وجمال دبوز المنتمين مثلها إلى أصل من المغرب العربي والذين بدأوا مع مرور الأعوام يفلتون كلياً من الشخصيات العربية السلبية مثل تجار المخدرات أو المجرمين من أي نوع، لمصلحة اختيارهم حالياً لأداء أدوار جيدة ترمز إلى عرب يحتلون مكانة طبيعية في المجتمع الفرنسي. ولكن الوضع لا يزال يختلف بالنسبة الى المرأة، على الأقل في نظر السينمائيين، وتذكر بختي الممثل سعيد تغماوي الذي كثيراً ما يعمل في أفلام أميركية حيث لا يزال العرب من رجال ونساء محبوسين في أدوار الإرهابيين. وعلى العموم فأن القدر لعب دوره في شكل إيجابي جداً بالنسبة الى ليلى بختي أخيراً إذ أنها تؤدي الشخصية النسائية الرئيسية في فيلم «رسول» للسينمائي الفرنسي جاك أوديار الذي يتعرض لحياة شاب عربي في السجن، يكون لنفسه علاقات قوية وراء القضبان تسمح له بالتحول إلى زعيم عصابة لدى خروجه من الحبس. وعرض الفيلم في مهرجان «كان» الأخير وفاز في سهرة الإعلان عن نتائجه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى، الأمر الذي سمح لبختي بصعود الدرج المفروش بالسجاد الأحمر مثل أنجلينا جولي وكل نجمات المهرجان المتعددات الجنسيات، وثم بتكوين شهرة دولية بما أن أكبر الشخصيات السينمائية العالمية المتواجدة في «كان» شاهدتها فوق شاشة قصر المهرجانات، إضافة إلى كون الإعلام المحتشد في المهرجان والقادم من اليابان والصين وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية والمنطقة العربية، كتب عنها واستضافها في برامج تلفزيونية وإذاعية بثت على الهواء. وإذا كانت بختي طارت من الفرحة إثر هذا الحدث، فهي سرعان ما عادت إلى العقل والحكمة فارضة على نفسها خطوة فنية جديدة ستسمح لها بالتقدم وحسن إدراك خبايا مهنتها كممثلة، وهي العمل فوق المسرح في أسرع وقت ممكن، وهي بدأت في التفتيش الجدي عن الطريقة المناسبة من أجل تحقيق هذا الهدف على أفضل نحو.