«نستضيف اليوم المتحدث الرسمي باسم ائتلاف شباب الثورة، وأحد شباب 6 إبريل». «مرحباً بكم في حلقة جديدة من «بكرة أحلى من النهار ده» ويسعدنا وجود مؤسس حزب شباب ثورة مصر، وعضو من حزب التيار المصري تحت التأسيس». «ينضم إلينا عبر الهاتف مرشح الرئاسة المحتمل أيمن نور الذي فجر قنبلة بتأكيده أنه كان يؤيد مبدأ «الدستور أولاً»، لكنه قرر أن يرفع شعار «الانتخابات أولاً!»... أمام سيل الأخبار، يشعر المشاهد المسكين بتخمة حزبية ائتلافية سياسية زئبقية غير واضحة المعالم، لكنها واضحة الآثار. وبدلاً من أن يلجأ إلى تشغيل مبرد الهواء الذي يصيب فاتورة الكهرباء بجنون هو في غنى عنه، يدق على الريموت كونترول بسرعة ويجد ملاذاً آمناً في قناة مسابقات. تحض المذيعة الجميع على الاتصال. «اتصل الآن واكسب 50 ألف يورو. نملة تضع يدها على رأسها وتبدو حزينة لماذا؟». يتحمل المشاهد السؤال الخارق، لكنه لا يتحمل الإجابة. الاتصال الأول من مشاهد في ألمانيا. يقول: تشكو من صداع. أما المذيعة فتبدو علامات الأسى على وجهها لتؤكد أن النملة ليست مصابة بالصداع، كما أنها ليست على خلاف مع حماتها. لم يصدق المشاهد ما يرى، فأعاد الدق على الريموت لتستقر به الحال أمام معركة حامية الوطيس ذات أصوات جهورية وانتقادات لاذعة موجهة من الجميع ضد الجميع. المذيع غير المصري يلعب دور الحكم في مباراة مشتعلة بين أحد رموز النظام المصري السابق وقيادي في حركة «كفاية». الاتهامات بالعمالة والخيانة والوصاية متبادلة بين الطرفين بالقوة ذاتها والحماوة نفسها اللتين يؤججهما المذيع الحاذق الذي إن شعر بأن أحد الضيفين لم يهاجم الآخر رداً على اتهام ما بالمقدار الكافي يسارع إلى لفت نظره، قائلاً: «لكن سيدي ضيفنا الكريم يتهمك تقريباً بالصهيونية!». يشعر المشاهد بأن الدماء تتدفق بغزارة إلى رأسه، وبدلاً من أن يرشق الشاشة بالريموت يدق عليه بعنف، لتعود الدماء مجدداً إلى سريانها الطبيعي. صوت نانسي الناعم وابتسامتها الرقيقة ينسيانه أوجاعه الذهنية والسمعية. إلا أن كلمات الأغنية الجميلة «واحشاني يا مصر» للمطربة الرقيقة تزيد من أوجاعه، وتنهمر دموعه من عينيه. «في قعدة صلح على الكورنيش، وكوباية شاي إنما إيه! تحضنها وتشتكي لها، واحشانا يا مصر موت!»، تصاب حواسه باسترخاء شديد بعد ساعات من الشد والجذب بين الفضائيات. تنتهي الأغنية مخلفة مقداراً غير قليل من اللوعة والحسرة والحزن لا يعرف سببها! وبأنامل شبه مخدرة، يدق على الريموت مجدداً، لكنها هذه المرة دقة مقصودة بوجهة معلومة. إنها قناة الأفلام القديمة. يتخذ قراره بعدم العودة إلى الحاضر. ينغمس في مشاهدة أفلام زمان هارباً من فوضى الآن. لكنه يعلم أن قراره بالهروب إلى الماضي سيختفي حتماً مع أول خبر عاجل يهرع الأولاد لمتابعته، أو بيان صارم يصدره المجلس العسكري.