أنهت السلطات المصرية أمس جدلاً واسعاً في شأن مكان محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، وأعلنت أن محاكمته ونجليه وصديقه المقرب رجل الأعمال (الهارب) حسين سالم، إضافة إلى عدد من القيادات الأمنية، أبرزهم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ستجري في أرض المعارض في ضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة). ويأتي ذلك القرار عشية تظاهرات ينوي نشطاء تنفيذها اليوم تحت مسمى «جمعة الإرادة الشعبية ووحده الصف» للضغط باتجاه مزيد من الإصلاحات. وحسمت وزارة العدل أمس مقر انعقاد محاكمة الرئيس السابق ونجليه علاء وجمال ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي وكبار مساعديه في الوزارة، بعد مداولات دامت أسابيع، وقررت أن تجري المحاكمة داخل مبنى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في أرض المعارض في ضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة)، كما قررت إذاعة وقائع المحاكمة «حصرياً» على شاشات التلفزيون الرسمي المصري. وعلى ما يبدو لجأت السلطات المصرية إلى هذا الحل لتضرب عصافير عدة بحجر واحد. فمن جهة، من شأن حضور مبارك إلى القاهرة تهدئة غضب المحتجين الذين كانوا يهددون بتنفيذ «مليونية» في منتجع شرم الشيخ حيث يعالج الرئيس المخلوع في حال لم يمثل أمام المحاكمة في القاهرة، كما أنه يزيح عن كاهل المجلس العسكري الاتهامات التي يوجهها إليه الثوار ب «محاباة مبارك». وجاء اختيار قاعة المؤتمرات نظراً إلى اتساعها حيث من المتوقع أن يحضر جلسات المحاكمة آلاف الأشخاص، كما أن مكانها بعيد عن أماكن التكدس السكاني والمروري، الأمر الذي يسهل من مهمة تأمين المتهمين. كما أن داخل قاعة المؤتمرات أماكن يسهل معها هبوط الطائرات الحربية، حيث من المتوقع أن يتم إحضار مبارك ونجليه عبر طائرات هليكوبتر لتفادي المرور في الشوارع. ويواجه مبارك ونجلاه وحسين سالم وحبيب العادلي وقيادات في الداخلية اتهامات عدة تتعلق بقتل المتظاهرين خلال «ثورة 25 يناير»، وفساد مالي والعدوان على المال وتقديم وقبول رشى مالية. وسبق أن عقدت العديد من المحاكمات الكبرى التي شغلت الرأي العام المصري والعالمي في منطقة أرض المعارض في مدينة نصر، من بينها محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات واغتيال رئيس مجلس الشعب السابق رفعت المحجوب وتنظيم «ثورة مصر» الذي كان يستهدف الديبلوماسيين الإسرائيليين في القاهرة بعمليات اغتيال، والقضية التي عرفت باسم «الناجون من النار»، الذين قام أفرادها بمحاولة اغتيال وزيري الداخلية السابقين النبوي إسماعيل وحسن أبو باشا والكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد. ويأتي ذلك فيما يستعد ميدان التحرير لاستقبال تظاهرات حاشدة اليوم الجمعة عنوانها الرئيسي «ترسيخ التوافق بين التيارات السياسية والبعد عن النقاط الخلافية». وكانت اجتماعات عدة عقدت خلال اليومين الماضيين جمعت القوى السياسية على مختلف انتماءاتها للاتفاق على النواحي الإجرائية لتنظيم الميدان، حيث تم التوافق على إطلاق اسم «جمعة الإرادة الشعبية ووحدة الصف» على تظاهرات اليوم، مع العودة إلى رفع شعار «الجيش والشعب إيد واحدة». وأوضح منسق عام حركة «شباب 6 ابريل» أحمد ماهر ل «الحياة»، أنه تم الاتفاق على رفع الشعارات المتفق عليها والبُعد عن الشعارات الخلافية، مشيراً إلى أن الهدف من تظاهرات اليوم هو الضغط باتجاه «مزيد من الإصلاحات وفي مقدمها استكمال بقية اهداف الثورة واستقرار الأمة وتأكيد مطالب أهالي شهداء ثورة 25 يناير، وتطهير مؤسسات الدولة من بقايا النظام السابق». وأشار القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد البلتاجي، إلى أن تنسيقاً حدث حول ترتيبات تأمين القادمين إلى ميدان التحرير واستقبالهم، وكذلك المنصات وتداول الكلمات بين ممثلي كل التيارات السياسية، مشدداً على أن اليوم (الجمعة) «هو يوم لكل التيارات وليس للإسلاميين فقط، مؤكداً الحرص على توافق وحدة صفوف قوى الثورة المصرية، وأن يكون الخطاب داخل الميدان مشتركاً». لكن البلتاجي أشار إلى أن هناك تيارات إسلامية ترغب في رفع شعارات تطالب بعدم الالتفاف على الإرداة الشعبية، في إشارة إلى رفض وضع مبادئ «فوق دستورية». وقال البلتاجي: «إذا كنا نطالب المجلس العسكري بعدم الانفراد بصنع القرار فمن باب أولى أن نطالب النخب السياسية بألاّ تصادر الإرادة الشعبية». ولا يخشى مؤسس حزب «مصر الحرية» الخبير السياسي عمرو حمزاوي من حصول تجاذبات بين قوى التيار الإسلامي والليبراليين وهو يعول على «مسؤولية النخب السياسية»، مؤكداً قدرة ميدان التحرير على استيعاب مختلف الرؤى والشعارات. ويوضح حمزاوي ل «الحياة» أن مسار الثورة المصرية «شهد لحظات تنازع بين التيارات السياسية، لكن كلما اقترب الأمر من حصول أزمة سياسية يتم تدارك الأمر، وهو ما يعبر بجلاء عن المسؤولية» وقدرة القوى السياسية على تدارك أزمتها في هذه المرحلة الحرجة».