ارتبط شهر رمضان لدى الكثير منا بأطباق ووجبات وعصائر معينة، ولذلك فإن جولة قصيرة في أسواقنا التموينية ستظهر حجم الاستعداد «الغذائي» لهذا الشهر، وفي ظل ارتفاع الأسعار فإن الالتزامات المالية على الناس تزداد بشكل عام، هذه الالتزامات، مهما كان حجمها، فإنها لا يمكن مقارنتها أبداً بما يعانيه إخوة لنا في أماكن كثيرة، سواءً تلك الأماكن المحتلة، كفلسطين والعراق وأفغانستان والصومال، أو غيرها من الأماكن التي تعاني من الفقر والجوع والحرمان. نعلم جميعاً أن هناك معاني عظيمة في الصوم ينبغي أن نستشعرها ونحييها في نفوسنا ونفوس أهلنا وأبنائنا، ففي أي ظرف سيئ قد يمر به أحدنا فإنه لن ينسى بعد زوال تلك الغمة كل من وقف معه وسانده ولو بكلمة تواسيه وتخفف الألم عنه، وكذلك حال إخواننا المستضعفين الذين يمر عليهم شهر رمضان وهم غير قادرين على شراء ما يحتاجون إليه من طعام أو شراب أو كساء، بل إن فرحتهم بقدوم الشهر الكريم لا تكتمل، إذ لا يزال ابنهم أو والدهم سجيناً في سجون الاحتلال، إن لم يكن قد سقط شهيداً بقصف الطائرات أو قذائف الدبابات، وآخرون قد هدم العدو بيوتهم فهم بلا مأوى، وغيرهم، قصة تطول صفحاتها المملوءة بالحزن والأسى. هنا لا بد أن أذكر نفسي وإخواني بأننا لا ينبغي لنا أن نخذل إخواننا وعلينا أن نتذكر قول قائدنا ونبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ»، والخذلان هو تَرْك الْإِعَانَة وَالنُّصْرَة، وَالْمَعْنَى لَيْسَ أَحَد يَتْرُك نُصْرَة مُسْلِم مَعَ وُجُود الْقُدْرَة عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْل عِنْد حُضُور غِيبَته أَوْ إِهَانَته أَوْ ضَرْبه أَوْ قَتْله أَوْ نَحْوهَا. إن أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا وطبائعنا تملي علينا ضرورة وقوفنا مع إخواننا وشعورنا بأحوالهم ومواساتهم وتخفيف معاناتهم، وقبل هذا كله علينا الامتثال لأمر الله عز وجل ورسوله «صلى الله عليه وسلم» لنا بنصرة إخواننا المستضعفين، قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). لقد ضرب لنا الرسول «صلى الله عليه وسلم» المثال الإيجابي وشبه حال المسلمين بحال الجسد الواحد، فقال عليه الصلاة والسلام «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى منهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَد بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، رواه البخاري ومسلم، إن هذا المثال بحاجة للتأمل، قال ابن حجر رحمه الله قوله «كمثَلِ الجسد»، أَي بِالنِّسْبَةِ إلى جميع أَعْضَائهِ، ووَجْه التَّشْبِيه فيه التَّوَافُق في التَّعَب والرَّاحَة، وقوله: «تدَاعَى»، أَي دَعَا بَعْضه بَعْضًا إِلى الْمُشَارَكَة في الأَلم، وقوله «بالسَّهَر وَالْحُمَّى»، أَمَّا السَّهَر فَلأَنَّ الأَلَم يَمْنَع النَّوْم، وَأَمَّا الحُمَّى فلأَنَّ فَقْدَ النَّوم يُثِيرهَا، فَتشْبِيهه المؤمنينَ بِالجسَدِ الوَاحد تمثِيل صحيح، وفيه تَقرِيب للفهم وإظْهَار لِلمعَانِي في الصُّوَر الْمَرْئِيَّة، وفيه تعْظِيم حُقُوق المسلمين والحضّ على تعاونهم ومُلاطَفة بعضهم بعْضًا، وهذا الحديث توجيه لنا بأن تكون حالنا كحال الجسد الواحد الذي يتفاعل كله مع أي ألم يحل بجزء منه، إنها صورة حسية علينا أن نجعل منها صورة معنوية على أرض الواقع، إذاً فليكن من استعداداتنا الرمضانية أن نحيي عملياً صورة الجسد الواحد. [email protected]