في منتصف خمسينات القرن الماضي، قام أحمد الثُلايا بالثورة على ظلم الإمام أحمد حميدالدين، وبعد أن تم القبض عليه، أقام الإمام له محاكمة شعبية صاخبة في ملعب كرة قدم بمدينة تعز، بعد أن أحضر المرتبطين بسلطانه من الفقهاء والأعوان الضعفاء، وخاطبهم قائلاً: «إن هذا المجرم خان الأمانة، فماذا تحكمون عليه؟»، فرددوا بصوت واحد: «الإعدام»! عندها توجه إليهم الثُلايا قائلاً: «أيها الشعب الحبيب لقد ثرت من أجلكم، ومن أجل أن تعيشوا بكرامةٍ»، هنا تعالت أصواتهم هاتفين: «فلتذهب للجحيم»! عندها قال عبارته المشهورة: «قُبحتَ من شعبٍ أردتُ لك الحياة وأردتَ لي الموت». ومع بداية تفتح ورود آذار ربيع هذا العام وانتشار رحيقها في سماء سورية، يعود الثُلايا من جديد كطائر الفينيق بعد أن نفض جناحيه في سيدي بوزيد وميدان التحرير وساحات صنعاء وبنغازي، يعود مع انتفاضة أطفال درعا وشهداء سورية الأبرار، ليولد من قلب سهول حوران، التي طالما تميزت عبر التاريخ بخصوبة ما تحت أرضها وما عليها، لقد فعلها هؤلاء الفتية الصغار، وأقحموا أنفسهم بالمحرمات قبل أن يشتد عودهم ويتم إرضاعهم حب النظام بدلاً من حب الوطن، الذين طالما رضعوه مع حليب الأمهات، فعلوها قبل أن يتم تهجينهم وتقييدهم بأغلال في ما يسمى بمنظمات طلائع البعث والشبيبة واتحاد الطلبة والنقابات المهنية، وذلك كي يتعرفوا من خلالها على المقدس في هذا الوطن من كلماتٍ وشعاراتٍ خشبية ومحنطات! أجل فعلوها أشبال حوران، على رغم أنف الكبار، ونحتوا كلمات الثورة الأولى في وجه التسلط الأمني والنظام الشمولي. أما الذي سيحكم بالإعدام هذه المرة على ثُلايا (درعا وحسن) فهم أنفسهم فقهاء السلطان من أعضاء مجلس الشعب، أولئك العجزة القابعون بصمتٍ مريب في مأوى بوابة الصالحية، كذلك ما يسمون بأعضاء الجبهة الوطنية التقدمية، الذين لم يمنّ النظام على قيادات أحزابهم بأكثر من طاولة متآكلة وكرسي مهترئ، وسيارة من الخردة السكراب، فضلاً عن التسبب في انقساماتٍ و انشطارات لا حدود لها، الذين لا يعرفون لوناً ولا ذوقاً ولا حساً، إلا كما يراه سيدهم (البعث)، والذين لا يجيدون سوى فن التصفيق والتطبيل والتهريج والابتسامات المصطنعة، أولئك الذين لم تسمع أصواتهم إلا أيام الكرنفالات، نعم هم أنفسهم من حكموا على أطفال درعا، فبدلاً من أن تعلوا صيحات الاحتجاج على سياسة القتل والاعتقال والتعذيب، تعالت أصواتهم لتهتف وتصفق وتزكي وتشرع قتل أبناء الوطن، مستغلةً دماء الضحايا وعذاباتهم، الذين كما يدعون تمثيلهم، وليحكموا على ثُلايا درعا أولئك الصبية، بأنهم لا يستحقون أقل من سجنهم وخلع أظافرهم، بل الإعدام سلفاً على كل من سالت دماؤه مطالباً بنسمة من الحرية وفسحة من الرأي، بعد أن اعتقد أن سماء هذا الوطن إنما هي ملك للجميع. المحزن أنه على رغم مرور أكثر من أربعة أشهر من عمر الاحتجاجات المطالبة بالحرية والكرامة، واستمرار نزيف دماء أبناء الوطن الطاهرة، التي شملت معظم مناطق سورية، و ما رافقها من أبشع صور القمع من سحل واعتقال وقتل للمتظاهرين أينما ارتفعت أصواتهم وحصار درعا وغيرها من المدن السورية، كان آخرها العمل العسكري في «ثلايا اليمن وأطفال درعا والشغور»، وما ترتب على ذلك من نزوحٍ باتجاه الدول المجاورة، وتعرض المواطنون السوريون لصنوف المعاناة كافة، التي ما فتأت تنقله لنا مختلف وسائل الإعلام من تشريد وتجويع، على وقع أنين الأطفال وعويل الأمهات وآهات الشيوخ، نقول على رغم كل هذا إلا أن من يدعون تمثيلهم لهذا الشعب لم تُسمع أصواتهم، وكأن ما يدور من حولهم إنما هو في كوكبٍ آخر لا يعنيهم بشيء، وهو ما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الشعب السوري إنما هو بوادٍ وممثليه من أعضاء ما يُسمى بمجلس الشعب وقياداته من حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية بوادٍ آخر، بل أثبتت الوقائع بأنهم لا يمثلون أنفسهم ولا حتى النظام الأمني الذي أسهم بتعيينهم قبل أن تظهر نتائج الانتخابات للنور، وهو ما يؤكد بالنتيجة صحة نتائج الاستبيان الذي قامت به مجلة الاقتصادي السورية، بمناسبة قرب انتهاء ولاية مجلس الشعب الممتدة من عام 2007 حتى الشهر الخامس من العام الحالي، حيال رضا الشعب السوري عن أداء المجلس خلال دورته الحالية، التي بيّنت تلك النتائج بأن 20في المئة فقط من الشعب راضون عن أداء مجلسهم، في حين 36 في المئة لا يعرفون اسم أي عضو من أعضائه البالغين (228)، بينما 65 في المئة لا يثقون بكفاءتهم، في حين 69 في المئة لا يذكرون أي قضية قام المجلس بمناقشتها وأوجد حلاً لها، أما بالنسبة لعدد المرات التي رأى فيها المواطن العضو الذي انتخبه خلال السنوات الأربع، فكانت النتيجة أن 40 في المئة لم يروا عضو المجلس الذي انتخبوه ولا مرة واحدة، بينما 27 في المئة رأوه مرةً واحدة، و16 في المئة مرتين، و17 في المئة ثلاث مرات. محامٍ [email protected]