انخفاض أسعار الذهب    الأخضر يصل إلى اليابان    جمعية رواد للعمل التطوعي ممثلة بفريق "صناع التميز التطوعي" تشارك في الإفطار الجماعي بمحافظة بيش    حرس الحدود بعسير يحبط تهريب (198) كجم من القات المخدر    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. دولة إندونيسيا    جامعة الملك خالد الأولى وطنيًّا والثانية عربيًّا والخمسون عالميًّا    "الزكاة والضريبة والجمارك" تحدد معايير المجموعة 22 لربط الفوترة الإلكترونية    ابتدائية 32 للبنات بخميس مشيط تنظم مبادرتي "فرحة يتيم" و"كسوة العيد" لأيتام "عطاء"    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجمع بين معايير البناء قديمًا وحديثًا في تجديد مسجد القلعة    رينارد يحطم أرقام سلبية في المنتخب السعودي    المسجد النبوي.. جهود مضاعفة لاستقبال العشر الأواخر    المسجد النبوي يستقبل 4 آلاف معتكف من 120 دولة    الخطوط السعودية تلغي رحلاتها من وإلى لندن حتى إشعار آخر    مؤشر الأسهم اليابانية يسجل أعلى مستوى في 8 أشهر    تكريم الفائزين في ختام مسابقتي "رتل " و"بلال" بالأحساء    جمعية أصدقاء البيئة تحتفي بمجلس إدارتها وداعميها بغبقة رمضانية بالخبر    وقاء عسير ينظم "مسامرة رمضانية" ضمن مبادرة اجاويد3    تدشين أول تطبيق لتوثيق ملكية العقارات البلدية رقميًا في الشرقية    مستشفى النعيرية يعزز الصحة في رمضان بحملة "صم بصحة"    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجربة لأحدث منظومة صاروخية مضادة للطائرات    طيران الأمن في رئاسة أمن الدولة في أول ليلة من العشر الأواخر لشهر رمضان    ألمانيا تقلب الطاولة على إيطاليا بثنائية وتقترب من قبل نهائي دوري أمم أوروبا    جندلة بطلا لبطولة تنمية الشقيق الرمضانية    محافظ الرس يرعى "رمضانيات" لنادي الرس الرياضي لذوي الإعاقة    محافظ الطائف يستقبل رئيس وأعضاء جمعية أدبي الطائف    كأس آسيا .. أخضر الشاطئية يتغلّب على الصين بخماسية    حرب السياسة    رينارد: نحتاج لاستغلال الفرص    سلمان بن سلطان يدشّن المركز الكشفي للمهارات والهوايات الطلابية    المملكة توزّع سلالًا غذائية بمختلف محافظات سوريا    ترمب يوقع أمراً تنفيذياً لإغلاق وزارة التعليم بأميركا    حسن كادش يغادر لقاء الأخضر والصين مصابًا    السعودية تعود للانتصارات بالفوز على الصين    مخيّم التفطير الدعوي لجمعية الدعوة بالصناعية القديمة يواصل عطاءه حتى ال 20 من رمضان 1446ه ،واستفادة أكثر من (18,443 صائمًا)    الذكاء الاصطناعي والحرب النووية: هل يمكن أن يصبح القرار بيد الآلة    «الصحة» تقيم النسخة الخامسة من «امش 30» في المسار الرياضي    مستشفيات وعيادات دلّه تعلن عن مواعيد العمل خلال أيام عيد الفطر المبارك    مستشفى الإمام عبدالرحمن الفيصل يطلق حملة "صم بصحة" لتعزيز الوقاية خلال رمضان    جامعة أم القرى تستقبل القنصل لبوركينا فاسو لبحث التعاون الأكاديمي    ثماني سنوات من الطموح والإنجاز ذكرى البيعة لولي العهد محمد بن سلمان    روائع العمارة الإسلامية في أماكن غير متوقعة.. مساجد تبهر العالم    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى المدينة المنورة    نائب وزير التجارة تشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمتها بالمرتبة الممتازة    سمو ⁧‫ولي العهد‬⁩ يستقبل أصحاب السمو أمراء المناطق بمناسبة اجتماعهم السنوي الثاني والثلاثين    مركز الملك سلمان يوزع سلالًا غذائية بسوريا وطاجيكستان    السعودية تدين استهداف موكب الرئيس الصومالي    سحور عواجي يجمع أهل الفن والثقافة    دخل رسميًا أولى مراحل المجاعة .. القطاع بين الموت والجوع.. المساعدات سلاح بيد إسرائيل    الذهب يرتفع والنفط يتراجع    بعد اتصالات ترامب مع زيلينسكي وبوتين.. العالم يترقب النتائج.. محادثات أمريكية – روسية بالسعودية لإنهاء الحرب في أوكرانيا    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوأم الطفيلي المصري إلى الرياض    كيف أفسد ترمب صفقة المقاتلات على الولايات المتحدة    جامعة خالد تُطلق معرضها القرآني الرمضاني الأول    ‏⁧‫#نائب_أمير_منطقة_جازان‬⁩ يستقبل مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان المعيَّن حديثًا    نائب أمير جازان يقلّد مساعد قائد حرس الحدود بالمنطقة رتبته الجديدة    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفصال جنوب السودان يمهد لاستقلال جنوب كردفان؟
نشر في الحياة يوم 21 - 07 - 2011

«لو أن واشنطن تهاونت في مساعدة جنوب السودان لما تم الانفصال». هكذا حدثني صديق سوداني خبير في دهاليز السياسة في بلاده. وعندما تمعنت في مشهد الوفود التي حضرت إلى جوبا لمباركة الاحتفال بالانفصال رسمياً فى 9 تموز (يوليو) الجاري، تأكدت من معنى العبارة السابقة، فقد حقق أهالي جنوب السودان ما أرادوه. ولتقليل حجم المنغصات رحّلوا كل القضايا الخلافية (تقريباً) مع الخرطوم إلى مرحلة تالية، لإتاحة الفرصة للتفاوض «دولة مقابل دولة»، بدلاً من صيغة «دولة مقابل حركة». الأمر الذي سيعطي للأخيرة الكثير من المزايا النسبية، أهمها الاحتماء بالقوانين الدولية في تسوية الملفات الخلافية، من خلال الحضور الرسمي لدولة السودان الجنوبي في الهيئات والمنظمات الدولية، إذ أصبحت العضو الرقم 55 في الاتحاد الأفريقي وصاحبة المقعد الرقم 193 في الأمم المتحدة.
عندما شدد صديقي على العبارة السابقة، لم يقصد التهوين من الإنجاز الذي حققه الجنوبيون، لكنه كان يريد التنبيه إلى عمق الدور الأميركي في حلحلة كثير من الأمور السياسية، في أحلك أيامها سواداً، وغض الطرف عن معظم التجاوزات الأمنية في أقسى ساعاتها غموضاً، وتجاهل ما تردد حول وقوع بعض الانتهاكات الإنسانية في أشد حالاتها صراخاً. حتى يتسنى سلخ جزء من جسد السودان وتمرير الانفصال بأقل الخسائر وأكبر المكاسب. فالولايات المتحدة كانت تنظر إلى انفصال جنوب السودان باعتباره هدفاً استراتيجياً ونموذجاً مثالياً للتسوية السياسية يمكن الاحتذاء به. ومن الواجب تحقيقه وفقاً لجدول اتفاق نيفاشا للسلام عام 2005. لذلك ركزت واشنطن على النقاط المفصلية في الاتفاق والتي تضمن عدم التراجع عنه وتركت تفاصيل القضايا الجانبية للتباحث في مرحلة لاحقة. لم تكن اللعبة غائبة عن اللاعبين الرئيسيين فيها. فالحركة الشعبية كانت تتعامل مع الملفات الخلافية بطريقة ديبلوماسية وتحلت في الظاهر بدرجات عالية من المرونة السياسية، حتى تنتهي بسلام من المرحلة الانتقالية. وكل ما يعنيها هو تجاوز هذه الفترة وعدم فتح جبهات صراع جديدة، يمكن أن تعيدها إلى المربع الأول، مربع الحرب الأهلية، بكل ما تنطوي عليه من مشكلات جنوبية.
واستخدمت الحركة أدوات هادئة للرد على منغصات شمالية ساخنة. منها، مغازلة حركات وقوى معارضة من الشمال والغرب وفتح قنوات سياسية – إيجابية معها، للرد على ما تردد حول دعم الخرطوم حركات جنوبية معارضة بالمال والسلاح. كما حرصت الحركة الشعبية على التزام أكبر درجة لضبط النفس عند حدوث تصعيد عسكري من الخرطوم. ولعل ما حدث في منطقة أبيي في شهر أيار (مايو) الماضي يؤكد أهمية هذا السلوك، إذ تمكنت القوات السودانية من السيطرة عليها وطردت قوات الحركة الشعبية منها. وبعد مفاوضات جرى الاتفاق على انسحاب القوات الشمالية ودخول قوات أثيوبية قوامها 4200 جندي بدلاً منها، ووضع نحو 7 آلاف جندي لحفظ السلام في الجنوب بقرارين من مجلس الأمن. أما اللاعب الثاني (حزب المؤتمر الوطني) فقد بنى تعامله مع الحركة الشعبية، خصوصاً في الأشهر الأخيرة، على أسس دعائية أكثر منها سياسية، بهدف إبراء الذمة من الانفصال، الذي كانت الخرطوم متيقنة من أنه واقع لا محالة. لذلك تعمدت غالبية النخبة الحاكمة اتخاذ خطوات تصعيدية، سواء في شكل عسكري أو سياسي، لتؤكد أنها لم تفرط في جنوب السودان، لا سيما أن هناك اتهامات متعددة وجهت للرئيس عمر البشير ورفاقه حملتهم مسؤولية الانفصال وتداعياته السلبية على كثير من الأقاليم السودانية الأخرى. وبدا المشهد وكأنه كلما تم حشر «المؤتمر الوطني» في زاوية ضيقة اختلق وسيلة ل «العكننة» على «الحركة الشعبية». وهو يدرك أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي برمته لن يتخذ معه إجراءات عقابية. بالتالي تركت الحركة الحزب يستمتع بمنغصاته ليحصد فقط بعض المكاسب الدعائية الموقتة، لأنه في كل مرة كان يعود للنقطة السابقة على خطوته الجديدة.
ونجحت الحركة الشعبية في ترحيل جميع القضايا الخلافية، والاستعداد للدخول في جولة أو جولات تفاوضية على قواعد مغايرة، تكون هي حققت الاستقلال الذي أرادته ويكون المؤتمر ازداد انهاكاً، لأنه سيتم فتح ملفات أخرى بصورة أكثر جدية. فدارفور التي خفت صوتها لمصلحة انفصال الجنوب ستعود للواجهة. والقوى الشمالية التي ترى التظاهرات والاعتصامات تعم كثيراً من الشوارع العربية لن تكتفي برؤيتها من دون أن تدافع عن ضرورة استحضار تجربة ديموقراطية حقيقية.
تعد الولايات المتحدة، هي اللاعب الرئيس الثالث في المعادلة السودانية. نعم هناك لاعبون آخرون تتفاوت درجات تأثيرهم، لكن تظل واشنطن هي ضابط إيقاع الملعب الذي تبارى ولا يزال على أرضه اللاعبان الشمالي والجنوبي. فهي عراب اتفاق نيفاشا وضامنته الأساسية، وهي مهندسة خطة انفصال الجنوب وراعيته لأهداف إستراتيجية. وهي حاضنة دولة السودان الجنوبي حتى تشب دولته وتصبح محطة جوهرية. وعقب إعلان الاستقلال مباشرة أعلنت إدارة باراك أوباما التزامها دعم الدولة الوليدة وبنائها من النواحي «السياسية والأمنية والاقتصادية»، كما أكدت واشنطن استضافة مؤتمر دولي لدعم السودان الجنوبي في نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة هي ورقة الضغط القوية على الخرطوم، إذا فكرت في ممارسة هوايتها في حفر المطبات الأمنية وخلق الذرائع لتوسيع المشكلات السياسية. وسيكون الدور الأميركي في هذا السياق مؤثراً، لأن هناك رزمة كبيرة من القضايا المتفجرة بين الشمال والجنوب، سيكون من الصعوبة تخطيها من دون تدخلات أميركية ووساطة أفريقية ومراقبة دولية. وإذا كانت الجهات الثلاث السابقة (أميركا والمجتمعان الأفريقي والدولي) لم تغب طوال السنوات الماضية، فإن حضورها خلال الفترة المقبلة سيأخذ شكلاً مختلفاً، يكفل للجميع اتخاذ إجراءات عقابية واقعية، لأن الانفصال حدث وبقي التركيز على وسائل حمايته، تحت شعار أن السودان الجنوبي دولة مستقلة ومن الواجب الدفاع عنها، وفقاً للقوانين الدولية، التي كانت غائبة أو مغيبة في المرحلة السابقة.
الحاصل أن هناك مجموعة متنوعة من القضايا الشائكة التي جرى ترحيلها، ومن المتوقع أن يتسبب عدم إيجاد وسائل سياسية هادئة لحلها في تعكير صفو جانب مهم من العلاقات بين الشمال والجنوب، والذي ظهرت تجلياته في كلمات المسؤولين على الجانبين، أثناء الاحتفال بإعلان الاستقلال رسمياً في 9 تموز (يوليو)، أهمها، النزاع حول منطقة أبيي، الذي فشل حكم محكمة التحكيم الدولية قبل نحو عامين في وضع نهاية له، فبعد أن قبله الطرفان، عاد كل طرف وفسره بالطريقة التي تريحه، استناداً إلى أن التحكيم أصلاً حاول أن يكون مرضياً لجميع الأطراف (الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني وقبائل الدينكا نقوق وقبائل المسيرية)، وكانت النتيجة أنه لم يعد مرضياً لأحد. كما تسبب تأجيل إجراء الاستفتاء حول مصير المنطقة واستمرار تبعيتها للشمال أو نقلها للجنوب في كانون الثاني (يناير) الماضي، في تراكم المشكلات الخلافية، إذ يحاول كل طرف اتخاذ سلسلة من الإجراءات (سياسية وأمنية وزراعية...) تؤكد تبعيته للمنطقة الغنية بالنفط، والذي يمثل (النفط عموماً) نحو 70 في المئة من موازنة الخرطوم. لكن بعد الانفصال سيخرج نحو 75 في المئة من النفط، وربما تزيد أو تقل هذه النسبة وفق الطريقة التي سيتم بها حسم مصير أبيي، التي تعتبر في نظر كثير من الدوائر السياسية بركان بارود قابلاً للانفجار، لذلك يرجح أن تلجأ الولايات المتحدة إما إلى حلول توافقية في شأن هذه المنطقة، أو يتم تركها للقانون الدولي، وربما تستخدم المساومات السياسية والضغوط الأمنية والعقوبات الاقتصادية كأداة عملية لإغلاق هذا الملف.
المشكلة أن ملف أبيي على علاقة وثيقة بغالبية القضايا الخلافية الأخرى ويتلامس معها بصورة مباشرة أو غير مباشرة. خذ مثلاً قضية نقل نفط الجنوب وتصديره الذي تتشدد الخرطوم في التعامل معه، وهي على يقين من أن جوبا لا تملك بدائل في الوقت الراهن على الأقل. وإذا قبلت الحركة الشعبية بشروط حزب المؤتمر الوطني الحالية والتي تشترط اقتطاع جزء معتبر من نفط الجنوب، فإن السنوات المقبلة قد تسفر عن اتفاقات وتفاهمات بين جوبا ونيروبي تسمح بنقل نفط الجنوب عبر موانئ كينية. وهو ما يقلل من أي مزايا نسبية كان من الممكن أن تحصل عليها الخرطوم بصورة دائمة، علاوة على أن ملف ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب والتي تصل إلى نحو 2200 كم لن يكون بعيداً عما تسفر عنه نتيجة ملف أبيي.
جنوب كردفان والنيل الأزرق
تبدو ملفات أبيي والحدود والنفط وجنسية ومصالح مواطني الشمال في الجنوب والعكس، هي الأكثر بروزاً في القضايا الخلافية بين الخرطوم وجوبا، لكن، في الحقيقة هناك ملف ساخن لا يزال غائباً عن كثيرين، بسبب تداخلاته الشمالية والجنوبية هو ملف جنوب كردفان والنيل الأزرق، المعروف بجبال النوبة. وفي نظر صديقي السوداني ربما يصبح أشد خطورة من دارفور. وخطورته تنبع من ثلاث زوايا.
الزاوية الأولى، التدخل الجنوبي السافر في هذا الملف. فلك أن تعرف أن نحو نصف القوات (الميليشيات) من الجنوب والنصف الآخر من أهالي جنوب كردفان. وقد حرصت الحركة الشعبية مبكراً على استغلال هذا الملف تحت لافتة «جنوب السودان والمناطق المهمشة» في الإعلان عن مطالبها السياسية، ليس دفاعاً عن بلاد النوبة أو لوضع لمسات وطنية على مطالب الحركة الشعبية، لكن، في نظر كثيرين، لاستخدام هذا الملف ورقة لتكتيل التحالفات السودانية والضغط على الخرطوم عبر تشتيت جهودها في مشكلات جانبية تستفيد منها الحركة الشعبية.
ولندقق النظر في المفاوضات التى جرت في أثيوبيا فنجدها دارت بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية (نيابة عن جنوب كردفان)، وحتى الاتفاق الإطاري الذي وقع في أديس أبابا في حزيران (يونيو) الماضي وقعته الحركة أيضاً. بكلام آخر ستظهر تقاطعات كثيرة لهذا الملف (سياسياً وأمنياً) بصورة يمكن أن تضاعف من المشكلات بين الشمال والجنوب.
الزاوية الثانية، استمرار العمليات العسكرية في جنوب كردفان، وفشل اتفاق أديس أبابا الإطاري في وضع حد لها، خصوصاً أن أسبابها الحقيقية متباينة، فالخرطوم تقول إنها تحارب قوات عبد العزيز الحلو المتمردة والخارجة عن الشرعية، والحلو يؤكد أن الانتخابات الأخيرة التي جرت على رئاسة الإقليم مزورة، الأمر الذي قاد إلى الصدامات الحالية. وبعيداً من الأسباب والدوافع فإن لجنوب كردفان والنيل الأزرق خصوصية، بدت في إقرار ما يسمى قانون المشورة الشعبية لتحديد هويتهما والطريقة التي ستحكمان بها. وقد أفضى الفشل في التوافق حول هذه الصيغة إلى ما نراه من مشكلات قابلة للتصعيد، ولن تكون بعيدة من الالتحام بما هو كائن من قضايا خلافية بين الشمال والجنوب. وهنا تكمن الخطورة الإضافية لهذا الملف، المعرض أن يدخل دائرة جديدة من التعقيدات، تزيد هموم الخرطوم هما على هم.
الزاوية الثالثة، ارتفاع سقف طموحات أهالي كردفان، الذين يلعب عدد منهم دوراً سياسياً مهماً في جسد الحركة الشعبية، فقد حدثني نصر الدين موسى كشيب مدير مكتب الحركة الشعبية في القاهرة أخيراً، وهو من جنوب كردفان، أنه سيعود إلى مكان مولده للدفاع عما سماه «حقوقهم السياسية». وقال انه إذا لم يتحقق ذلك «سيكون الانفصال مطلب جبال النوبة». لم تكن هذه الكلمات جديدة عليّ فقد سمعتها سابقاً من عماد محمد الخور الأمين العام لمكتب الحركة الشعبية بالقاهرة وهو من جنوب كردفان أيضاً، عندما همس لي في أحد اللقاءات التي جمعتنا أخيراً بأن الخطوة المقبلة لتحركاتهم العسكرية «انفصال جنوب كردفان»، بمعنى أن سيناريو الجنوب أصبح معرضاً للتكرار، مع ملاحظة أن وسائل الرصد عبر الأقمار الاصطناعية في هذه المنطقة والتي يشرف عليها الممثل جورج كلوني تقدم كل الأدلة اللازمة على وجود انتهاكات ترتكبها الخرطوم، وبالتالي نقل خلافاتها السياسية والحدودية مع جوبا وجنوب كردفان إلى محطة دولية جديدة. وفي ظل تراكم المشكلات السودانية وغياب المظلة العربية وتذبذب المواقف الأفريقية سيتم حل القضايا الخلافية بطريقة تضمن الحفاظ على مصالح دولة السودان الجنوبي، وسيصبح الطريق مفتوحاً لتكون جنوب كردفان المنغص الحقيقي في الخاصرة السودانية.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.