تحت تمثال مفجر ثورة 1919 سعد زغلول في الاسكندرية، استعادت الثورة المصرية حيويتها وإيقاعاتها الصاخبة وفنونها، إلى جانب خيم المعتصمين، وشاشات البث الحي، ولا سيما خلال جمعتي «استعادة الثورة»، إذ تعانقت حناجر الثوار والمعتصمين مع إبداعات فناني الثورة بمختلف أطيافهم. اكتظت الأوجه الأربعة لقاعدة التمثال الغرانيتية الضخمة، بلوحات وتقنيات ذات مواضيع تعكس نبض الثوار والمعتصمين. وإذا كانت ثورة 1919 التي فجرها زغلول وصحبه، أرست ملامح مدرسة مصرية حديثة أسسها محمود مختار، مبدع التمثال، فإن ثورة يناير 2011 تعتبر بداية لمرحلة جديدة في الفنون البصرية المصرية، جعلت كل فنان يعيد اكتشاف نفسه وقناعاته. فحوّل فنانون قاعدة التمثال إلى معرض فني طريف تتزاحم فيه عشرات اللوحات من دون قواعد. ترابط وتنافر في الوقت ذاته. فلسفة وتصوف وتراجيديا وكوميديا بيضاء وسوداء، لوحات زيتية وأخرى بالحبر الأسود أو بالقلم الرصاص، لوحات أخرى إلكترونية، لافتات مكتوبة بالعربية والأجنبية، ورسومات كاريكاتورية، وصور فوتوغرافية. تنوع غريب ومدهش عند قاعدة تمثال سعد زغلول، عكس سجالاً من نوع جديد، فهو ليس سياسياً بحتاً، ولا دينياً ولا ثقافياً، بل هو تنويع ذكي تحضر فيه مختلف القوى والتيارات، يمزج بين السياسة والفنون والثقافة، ويطرح أسئلة ضاربة في الحداثة، جُسّدت بالخطوط والظلال ودفقات الألوان والحروف والكلمات. ومن هذه اللوحات واحدة لرجل يجر عربة مثقلة بعناصر مبهمة، إذ طارت عجلاتها وتطاير جزء من حمولتها التي تبدو ككائنات صغيرة، هندسية الشكل، اكتست بالأحمر والأبيض والأسود، في إشارة إلى التركة الثقيلة التي ستؤول إلى الرئيس المصري المقبل. لوحة أخرى تراقص فيها الأحمر الناري حول تقاطعات زرقاء داكنة، في فوضى بصرية صادمة، تطرح تساؤلاً عن المستقبل المشوب بالغموض. يقول ضياء منير، أحد فناني معرض تمثال زغلول: «نحن في الشارع منذ أكثر من أسبوع لإنعاش الثورة، وكل منّا يعبر عن مطالبه بطريقته، وأردنا تجسيد هذه اللحظات المهمة التي لن تتكرر، ولم نجد أفضل من تمثال سعد زغلول مفجر ثورة 1919 لكي نفجر نحن مطالبنا المشروعة والتي لن نتخلى عنها». وترى لبنى أمير (فنانة تشكيلية) أن «الحركة التشكيلية المصرية تشهد عهداً جديداً من خلال إبداعات الفنانين وأطروحاتهم التي مزجت الفن بالسياسة في بوتقة واحدة بعيداً من النظريات الأكاديمية العقيمة، وها نحن نقدم كل ما يختلج في صدورنا بمنتهي الحرية». ويشهد «ميدان محطة الرمل»، أكبر الميادين في الاسكندرية، حيث يرتفع التمثال بحديقته الضخمة ونافورته الأثرية ومعتصميه من آلاف الثوار، الكثير من الفعاليات، إضافة للمعرض، إذ تقدم فرق إسكندرانية مستقلة عروض غناء وعزف، فضلاً عن الأغاني الوطنية التي تبثها أجهزة كومبيوتر. واللافت وجود عدد كبير من المصطافين الذين يزورون الاعتصام لمشاهدة ما يجري والتقاط الصور مع رموز الحركة من الشباب الفاعلين، فضلاً عن مئات الأجانب الذين يحرصون على ارتياد الميدان يومياً وأخذ الصور وإجراء المقابلات، بل والمشاركة في الهتافات والفعاليات. كما فوجئ المعتصمون بعروسين أصرا على الاحتفال بزفافهما ضمن الاعتصام، أسفل تمثال سعد زغلول، فزفّ المعتصمون العروسين. يذكر أن تمثال سعد زغلول صممه رائد فن النحت المصري محمود مختار، عقب وفاة زغلول، وأزاح عنه الستار الملك فاروق عام 1937. وقاعدة التمثال من الغرانيت، مزينة من الجهة البحرية بتمثال لسيدة ترمز إلى الوجه البحري، ومن الناحية القبلية تمثال لسيدة ترمز إلى الوجه القبلي تمسك بيمناها علامة الرمز الفرعوني للحياة. ونحت مختار التمثال على الطريقة الفرعونية، اذ يبدو زغلول كأحد فراعنة مصر إنما في زي عصري، ويمد رجله اليسرى أمام اليمنى تعبيراً عن التحفز والإقدام، وهذا أسلوب رمزي فرعوني.