إنسَ أن الشيء وضدّه لا يجتمعان. إذ ثمة من يرى أنهما قابلان للإلتقاء في المكان عينه، ولو أنه مكان ضيّق لا يزيد حجمه على ذرّة مُفردة. لم يستمر اللقاء طويلاً، لكنه حدث خلافاً للإعتقاد الواسع باستحالته، إذ تقول نظرية «الإنفجار الكبير» («بيغ - بانغ» Big- Bang)، بأنه توافرت عند بداية تشكّل الكون، كميّات متساوية نظرياً من ذرّات المادة والمادة - المُضادّة Anti- Matter. المعلوم أن ذرّة المادة - المُضادة لها تركيب معاكس لتركيب الذرّة، ما يجعل اللقاء بين هذين النوعين من الذرّات أقرب إلى الانتحار. وبقول آخر، إذا التقت ذرّة مع نظيرتها من المادة - المُضادة، يحدث انفجار يؤدي إلى تلاشيهما، مع صدور طاقة وإشعاع عن الانفجار. لنعد إلى نظرية «بيغ - بانغ» التي تُصرّ على وجود كميات متساوية نظرياً من ذرّات المادة والمادة - المُضادة عند بداية تشكل الكون. تُكمِل النظرية عينها لتقول إنه لسبب ليس معروفاً، تناقصت ذرّات المادة المُضادة بسرعة هائلة، ما أفسح للنوع الآخر من الذرّات أن تشكّل المادة التي يتألف منها الكون بأكمله. من الواضح أن هناك غموضاً ما برح يثير أفكار العلماء ومخيّلاتهم. وأخيراً، استطاع فريق من علماء الفيزياء في جامعة كاليفورنيا، إيجاد طريقة مبتكرة لصنع ذرّة تحتوي النقيضين، إذ تحتوي ذرّة ال «بوزيترونيوم» Positronium، إلكتروناً (وهو جسيم له شحنة كهربائية سالبة) مع نقيضه الذي يُسمى «بوزيترون» Positron الذي يملك شحنة كهربائية موجبة! صحيح أن هذه الذرّة الغرائبية لا تعيش طويلاً، لكن صنعها واختفاءها يعطيان معلومات ثريّة عما رافق ال «بيغ - بانغ» من حوادث. المعلوم أيضاً أن العلماء لم يتوصلوا إلى الإمساك بذرّة مُضادة، إلا في الآونة الأخيرة، إذ تمكّنت الفِرق التي تُشغّل «مُصادم هادرون الكبير» Great Hadrons Collider، من التقاط ذرة من هيدروجين - مُضاد، لمدة تُقارِب ربع ساعة. قبل ذلك، لم يستطع العلماء الإمساك بذرّة من المادة المُضادة لأكثر من ثوان قليلة. وأما فريق جامعة كاليفورنيا، فقد عمد إلى قصف ذرات من السيليكون (الذرّة التي تكوّن الرمل) بأشعة الليزر، فأجبروا الإلكترون على الإلتقاء مع «بوزيترون» لتكوين «بوزيترونيوم». وتتميّز هذه الطريقة بالسهولة، وبأنها قابلة للتنفيذ في درجات حرارة متنوّعة، بما فيها الحرارة المنخفضة. وللمقارنة، فإن الطُرُق التي لجأ إليها العلماء قبلاً لصنع «بوزيترونيوم»، استوجبت شروطاً مُعقّدة مع درجات حرارة فائقة الإرتفاع. وأشار الفريق عينه إلى ان صنع ذرّات من «بوزيترونيوم» بكميات كبيرة، بات في متناول اليد. ويعني هذا أنه بوسع العلماء إنتاج كميات من «بوزيترونيوم» بوفرة تكفي لإجراء تجارب عليها، ما يفتح الباب أمام العثور على إجابة للسؤال عن عدم التناغم في نِسَب المادة والمادة - المُضادة، منذ بداية الزمان في ال «بيغ - بانغ». للإطلاع على مزيد من التفاصيل، يمكن العودة إلى الموقع الإلكتروني لجامعة كاليفورنيا «يو سي آر. إديو» ucr.edu.