تجاوزت ليبيا أخطر أزمة واجهتها في المرحلة الانتقالية التي تلت سقوط نظام العقيد معمر القذافي، بقبول رجل الأعمال أحمد معيتيق والمعسكر الداعم له، قرار المحكمة العليا أمس، بعدم دستورية انتخابه رئيساً للحكومة. وعزز الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية في المحكمة، والذي شكل سابقة هي الأولى من نوعها منذ عام 1954، الثقة بمسيرة الانتقال إلى الديموقراطية، خصوصاً بعد تأكيد المؤتمر الوطني العام (البرلمان) وهو أعلى سلطة في البلاد، احترامه للقرار القضائي، وتداعياته المتمثلة في إعادة الاعتبار لحكومة رئيس الوزراء عبد الله الثني التي ستتولى السلطة التنفيذية إلى حين انتخاب برلمان جديد في اقتراع مقرر في 25 الشهر الجاري. وشكل امتثال البرلمان والقوى الإسلامية الداعمة لمعيتيق لقرار المحكمة، مفاجأة مريحة، بعدما كانت البلاد حبست أنفاسها تحسباً لمواجهة كبرى في حال رفض الأطراف المعنية الالتزام بحيثيات الحكم. وقالت أوساط المحكمة العليا ل «الحياة»، إن قرارها «أعاد إلى الأذهان ما اتسمت به منذ إنشائها من حياد ونزاهة واستقلالية وحرص على القوانين والعدالة». وفور صدور القرار، عقد معيتيق مؤتمراً صحافياً اعتبر فيه هذا التطور «من أهم مكتسبات بناء دولة القانون والمؤسسات»، وأعرب عن أمله في أن يؤدي إلى «تكريس التداول السلمي للسلطة، وأن يكون الرابح الأول هو الشعب الليبي». وأكد أن دخوله مقر رئاسة الحكومة الذي اعتبره البعض تسرعاً، كان بالتنسيق مع الثني نفسه، الذي قدمت حكومته وأعضاء في البرلمان طعوناً في إجراءات انتخاب معيتيق في بداية أيار (مايو) الماضي، باعتبار أنها لا تتلاءم مع ما نص عليه الإعلان الدستوري الموقت للمرحلة الانتقالية. كذلك أعلن صالح مخزوم نائب رئيس البرلمان احترام المجلس للقضاء «إيماناً منا بمبدأ تداول السلطة، وحرصاً على تأكيد مبدأ سيادة القانون وترسيخ العدالة»، وأكد على استمرار حكومة الثني في تصريف الأعمال. كذلك أعلن «حزب العدالة والبناء» (الذراع السياسي للإخوان في ليبيا) التزامه الحكم القضائي. وقال الناطق باسم الحزب محمد الحريزي ل «الحياة»: «نحن نؤيد ونساند بناء دولة القانون والمؤسسات وندعو كل الأطراف إلى الالتزام بحكم المحكمة العليا». وفي تصريح ل «الحياة»، أشاد حبيب الأمين وزير الثقافة في حكومة الثني بالحكم القضائي الذي «أعطانا الثقة بأن رجال الحق لا يخافون»، مذكراً بموقف مماثل للمحكمة العليا عام 1954 حين قضت بعدم دستورية مرسوم ملكي بحل المجلس التنفيذي لولاية طرابلس. وشدد الأمين في المقابل، على «ضرورة أن يتوجه الليبيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، نأمل في أن يضع حداً للأزمة. وأعرب عن أمله في أن ينأى الناخبون في 25 الجاري عن القبلية والجهوية و «يختاروا الكفاءات القادرة على إخراج ليبيا من الأزمات التي عانتها طيلة ولاية المؤتمر الوطني العام». وفي نيويورك، حذر مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا طارق متري من خطورة العنف على العملية السياسية الليبية، ودعا الأطراف المعنية إلى «حل خلافاتها سلماً وإجراء حوار لتحديد الأولويات الوطنية ومعالجة الوضع الأمني». وشدد متري في جلسة لمجلس الأمن حول ليبيا على ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في أجواء سلمية ومن دون تأخير. في الوقت ذاته، ناشد المندوب الليبي لدى الأممالمتحدة إبراهيم الدباشي، مجلس الأمن تقديم الدعم لإجراء الانتخابات في 25 الجاري والمساعدة في تمكين البرلمان المقبل من انتخاب حكومة جديدة وإعادة تنظيم الجيش الليبي وتسليحه. وطالب الدباشي المجلس بدعم عملية نزع سلاح المجموعات الخارجة عن إطار الدولة.