عشية وصول بعثة منظمة «حظر الأسلحة الكيماوية»، لتقصي الحقائق إلى سورية، تكثفت مساعي نزع فتيل التصعيد العسكري ضد النظام السوري، عقاباً له على اتهامه بالهجوم الكيماوي على مدينة دوما. ودخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الخط، في ما يشبه الوساطة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في محاولة للجم التوتر في المنطقة. وكان لافتاً حصول اتصال هاتفي أمس، بين بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حذر فيه الأول من أي «عمل متهور وخطير»، في وقت استمر الحديث عن الحشد العسكري والتلويح بضرورة معاقبة النظام السوري وحلفائه. وقال أردوغان، في تصريحات إلى الصحافيين، إنه ناقش مع نظيريه الأميركي والروسي الخطوات المحتملة لتحقيق السلام في سورية، وذلك بعد سلسلة من المحادثات الهاتفية في الأيام الأخيرة. وأضاف أنه أبلغ الرئيسين الأميركي والروسي ب «أنه ليس من الصواب زيادة التوترات في المنطقة». ورأى أن الوضع الحالي «يظهر أن التوترات خفت»، لكنه أكد أنه سيواصل محادثاته مع نظيريه الأميركي والروسي. وفي ما بدا بمثابة تلويح من موسكو بأنها لن تقف في صف المشاهد في حال حصول ضربات غربية، أوضح الكرملين في بيان أمس، أن بوتين حذر في اتصال هاتفي مع ماكرون من أي «عمل متهور وخطير يشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأممالمتحدة « في سورية قد يترك «تداعيات لا يمكن توقعها». وأضاف البيان أن الرئيس (بوتين) «ركز على ضرورة إجراء تحقيق متقدم وموضوعي للتوصل إلى خلاصة يكون بعدها من الحكمة الامتناع عن توجيه أي اتهام في حق أي كان». في المقابل، أفاد الإليزية في بيان بأن ماكرون أعرب عن «أسفه للفيتو الروسي في مجلس الأمن الذي منع رداً موحداً وحازماً يسمح بوضع آلية دولية لتحديد المسؤوليات في الهجوم الكيماوي في دوما في ال7 الشهر الجاري، ويؤدي إلى تجنّب الإفلات من العقاب وتكرار النظام السوري هجمات مماثلة». كما أشار البيان إلى أن ماكرون أعرب عن «قلقه البالغ للتدهور المستمر على الأرض السورية»، مذكراً بأن أولويات باريس تكمن في «مكافحة ومنع عودة داعش وتخفيف آلام السكان المدنيين في سورية عبر الالتزام التام بالقرار 2401 وإطلاق عمليات إنسانية عاجلة ومباشرة المفاوضات في أسرع وقت تزامناً مع مسار سياسي ذات صدقية يضم جميع الأطراف». كما لفت البيان إلى أن الرئيس الفرنسي عبّر عن رغبته في «الاستمرار بالتشاور مع روسيا وتعزيزه من أجل إعادة السلام والاستقرار إلى سورية». وكان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قال أمام الكونغرس الخميس، لدى تطرقه إلى احتمال شن هجمات وشيكة من قبل الأميركيين والفرنسيين وربما أيضاً البريطانيين: «إننا نسعى إلى وقف قتل الأبرياء»، غير أنه أضاف: «على المستوى الاستراتيجي، تبقى المسألة كيف يمكن تفادي تصعيداً يخرج عن السيطرة»، ملمحاً بذلك إلى وجود «تردد» في شأن شنّ هجوم على نظام دمشق. وأكد الناطق باسم الحكومة الفرنسية كريستوف كاستانير أن «ضرباتنا العسكرية في سورية لن يتم إعلانها مسبقاً في حال اتخذ قرار بتنفيذها». وأضاف في تصريحات تلفزيونية: «إذا تم إقرار الضربات فلن أخبركم، ورئيس الجمهورية (ماكرون) لن يخبركم، لأن هذا الأمر ليس مفترضاً أن يكون علنياً». ولفت إلى أنه «سيتم إبلاغ الجمعية الوطنية (البرلمان) ومجلس الشيوخ في الوقت المناسب، لضرورة الحفاظ على السرية، لأن الوضع متعلق أيضاً بالمصالح الفرنسية التي باتت على المحك». وأرجع أهمية سرية الضربات العسكرية إلى «الخطر الذي قد يلحق بطبيعة العمليات والمشاركين فيها». وزاد: «هذه الضربات سيتم تنفيذها حال تم استيفاء الشروط (من دون تحديد ماهيتها)». وأشار إلى استمرار «النقاشات الدولية في هذا الشأن». إلى ذلك، أكد الناطق باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت، أن برلين «ستفعل ما بوسعها لمواصلة الضغط السياسي على روسيا، في ما يتعلق بالهجوم الكيماوي في سورية». وقالت الناطقة باسم الخارجية الألمانية ماريا أديبار إن برلين «تتفق مع حلفائها على أن استخدام الأسلحة الكيماوية يجب ألا يمر من دون عقاب».في غضون ذلك، اتجهت مجموعة مكونة من 12 سفينة وقطعة حربية أميركية نحو سورية استعداداً لضربة عسكرية محتملة، ضمن حملة أميركية، تعد الأكبر بعد غزو العراق عام 2003. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن المدمرة الأميركية «دونالد كوك»، المحملة بقرابة 60 صاروخاً من طراز «توماهوك»، على أهبة الاستعداد في مياه البحر المتوسط، فضلاً عن ثلاث مدمرات أخريات (بورتر وكارني ولابون)، فيما أبحرت حاملة الطائرات العملاقة «يو أس أس هاري أس ترومان» الأربعاء من ولاية فيرجينيا في طريقها إلى المنطقة، محملة بنحو 90 طائرة حربية، ترافقها خمس سفن حربية، وصواريخ توماهوك، التي تعد من أفضل وأكثر الأسلحة فعالية ودقة في الترسانة الصاروخية الأميركية. وأعربت السفارة الروسية في بريطانيا عن قلق موسكو من قرار وزراء بريطانيين الخميس اتخاذ إجراء في سورية.واتهم زعيم المعارضة البريطانية رئيس «حزب العمال» جيريمي كوربن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بأنها «تنتظر التعليمات من الرئيس دونالد ترامب لتقرر كيفية الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية». ودعاها ل «العودة إلى البرلمان، قبل اتخاذ أي قرار».