تدخل العلاقات المشتركة بين المملكة العربية السعودية ومملكة إسبانيا منعطفاً جديداً خلال الزيارة التي يقوم بها ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى إسبانيا والتي بدأت أول من أمس (الأربعاء). وتربط المملكة العربية السعودية وإسبانيا علاقات قوية ومتينة تعود إلى أكثر من ستة عقود بدأت عام 1957، فيما يعمل قائدا البلدين، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعاهل اسبانيا الملك فيليب السادس على ترسيخها وشموليتها. والعلاقات بين المملكة وإسبانيا ليست علاقات تقليدية أو مصالح مشتركة فحسب بل هي امتداد لتاريخ حضاري ضخم وليد إرث ثقافي وحضاري وتراث رائع في إبداعه وكريم في عطائه. وأوضحت وكالة الأنباء السعودية في تقرير مطول لها أن مما يعزز علاقات التعاون بين البلدين الاتفاقات القائمة بينهما حالياً، ومنها اتفاق في المجال الثقافي وقع عام 1404ه يشمل التعاون في مجالات التعليم العالي والبحوث وتعليم اللغات وتشجيع التعاون بين الجامعات، واتفاق آخر للتعاون في المجال الجوي وقع عام 1408ه. كما تعد مذكرة التفاهم بشأن المشاورات المشتركة السياسية بين وزارتي الخارجية في البلدين التي تم توقيعها في مدينة الرياض في الثامن من نيسان (أبريل) عام 2006 واحدة من أهم الاتفاقات المشتركة بين البلدين، التي وقعت بحضور الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وعاهل اسبانيا السابق الملك خوان كارلوس، اذ وقعها وزيرا خارجية البلدين. وفي المناسبة ذاتها تم توقيع اتفاق تشجيع وحماية الاستثمار بين المملكة العربية السعودية ومملكة إسبانيا وقعها عن الجانب السعودي محافظ الهيئة العامة للاستثمار، وعن الجانب الإسباني وزير الصناعة والسياحة والتجارة، بهدف تشجيع وحماية استثمار مواطني الدولتين في الدولة الأخرى من خلال توفير الأسس القانونية التي تساعد على زيادة النشاط الاستثماري مع منحهم المعاملة الوطنية ومعاملة الدولة الأولى بالرعاية. وفي شأن عملية السلام في المنطقة، هناك قاسم مشترك بين المملكة وإسبانيا تجاه هذه العملية يؤكد تقارب وجهات النظر بين البلدين عبّر عنه الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع وزير الخارجية والتعاون الإسباني ميغل انخل موراتينوس السابق على هامش زيارة الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا إلى المملكة العربية السعودية في (أبريل) 2006، اذ قال: «إن العلاقات بين بلدينا في هذا الصدد تنطلق من أرضية مشتركة، فمدريد انطلقت منها عملية السلام في الشرق الأوسط، وأسفرت عن وضع أسس للسلام على مبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات الشرعية الدولية، والرياض انطلقت منها المبادرة العربية للسلام على مبدأ الانسحاب الكامل مقابل السلام الشامل». وعلى الصعيد الاقتصادي، تم تأسيس صندوق استثماري بين رجال الأعمال في البلدين تصل قيمته إلى 5 بلايين دولار للاستثمار المشترك في البلدين. وبلغ حجم الميزان التجاري بين المملكة وإسبانيا أكثر من 3.5 بليون دولار سنوياً، حيث تعد المملكة العربية السعودية ثاني أكبر بلد في الشرق الأوسط تصدر لها إسبانيا بمبلغ 770 مليون دولار سنوياً. وتشتمل حركة التبادل التجاري على منتجات الصناعة الكيماوية وما يتصل بها، والمنتجات المعدنية، واللدائن ومصنوعات الأنسجة والمعدات الطبية والجراحية والمصنوعات الخشبية وسلع ومنتجات أخرى. صندوق البنى التحتية الإسباني - السعودي في 19 حزيران (يونيو) 2007، وبحضور الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - و عاهل اسبانيا السابق الملك خوان كارلوس جرى الإعلان عن إنشاء صندوق البنى التحتية الإسباني - السعودي برأسمال قدره بليون دولار لتمويل عدد من مشاريع البنية التحتية في المملكة العربية السعودية. وكان وزير المالية السابق الدكتور إبراهيم العساف، أكد أن العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين متجذرة وراسخة، فهناك نمو إيجابي في أرقام التجارة الخارجية بين البلدين في المتوسط منذ عام 1990 مع نمو ملحوظ في هذه الأرقام منذ عام 2000 ويعمل في المملكة أكثر من 21 مشروعاً استثمارياً سعودياً - إسبانياً مشتركاً، كما أن هناك عدداً جيداً من الشركات الإسبانية أبدت الرغبة في الإسهام في بناء عدد من المشاريع الكبرى في المملكة وبخاصة في قطاع سكك الحديد وتجهيزاتها. وتولي حكومتا البلدين لتطوير هذه العلاقات أهمية خاصة تتمثل في عقد عدد من الاتفاقات الاقتصادية والتي من بينها اتفاق تفادي الازدواج الضريبي واتفاق التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات اللتين تمنحان للمستثمرين مزايا مثل الضمان والحماية وخفض الأعباء الضريبية. وكانت البلدين أعلنتا خلال زيارة الملك خوان كارلوس للمملكة العربية السعودية عام 2006 فكرة إنشاء صندوق استثماري سعودي - إسباني مشترك ممول بالكامل من القطاع الخاص في البلدين برأسمال قدره 5 بلايين دولار لدعم الاستثمارات المتبادلة، وذلك تعبيراً عن الثقة بعمق العلاقات بين البلدين، وبما يتوفر من فرص مجدية للاستثمار فيهما والأمل أن يسهم هذا الصندوق المقترح والممول من القطاع الخاص في تطوير العلاقات الاقتصادية على أساس من المصلحة المشتركة. ولقي ذلك الإعلان عن إنشاء الصندوق ترحيباً من وزير الصناعة والسياحة والتجارة الإسباني جوان كلوس إي ماثيو، آنذاك، الذي أكد أن إنشاء هذا الصندوق يعزز العلاقات القائمة بين المملكة الإسبانية والمملكة العربية السعودية. مجلس الأعمال السعودي - الإسباني في 20 أيلول (سبتمبر) 2013 عقد مجلس الأعمال السعودي - الإسباني الاجتماع المشترك الأول مع مجلس الغرف التجارية والملاحة الأعلى الإسباني (كمراس)، حيث أشاد رئيس مجلس الغرف التجارية والملاحة الأعلى الإسباني مانويل توريل أثكيردو، (آنذاك) خلال الاجتماع باهتمام وحرص الجانب السعودي بعقد مثل هذه اللقاءات. وقال إن مجلس الأعمال السعودي - الإسباني يهدف إلى تركيز الاتصالات بين البلدين وتعزيز الأنشطة التجارية، كما يحظى بدعم قيادتي البلدين، وهو ما يدعونا إلى تقديم كل ما يخدم مصلحة البلدين، عاداً المملكة ركيزة استراتيجية لإسبانيا، ومتطلعاً إلى مزيد من التعاون والشراكات التجارية والاستثمارية بين الجانبين. فيما شدد رئيس المجلس السعودي - الإسباني عبدالله بن يعقوب الرشيد خلال الاجتماع، على أهمية استثمار المجلس العلاقات المميزة بين المملكة وإسبانيا لتعزيز دور قطاعي الأعمال في البلدين، وقيام المجلس بكل ما من شأنه تسهيل إجراءات دخول المستثمرين لسوقي البلدين، واستثمار جميع الفرص التي يتيحها الاقتصادان السعودي والإسباني لتعزيز الشراكة القائمة والارتقاء بمستوى التبادلات التجارية إلى آفاق جديدة، لافتاً إلى أن اللقاءات جاءت بثمارها، إذ تم التفاهم على ما يقارب ستة اتفاقات مبدئية للاستفادة من جميع الفرص الاستثمارية والتجارية المتوفرة، التي تتعلق بتطوير علاقات البلدين الاقتصادية والتجارية، وخصوصاً في الشركات المتوسطة والصغيرة، والاستفادة من التسهيلات والخدمات التجارية التي تقدمها المملكة، التي تسهم في خدمة رجال الأعمال في البلدين. وفي 21 سبتمبر 2013، شهدت أعمال المجلس التباحث مع أصحاب الأعمال والشركات في إسبانيا، بما فيها مجلس الغرف التجارية والملاحة الأعلى الإسباني (كمراس)، ومناقشة الفرص الاستثمارية مع الجانب الإسباني، الذين أبدوا رغبتهم بالاستثمار في المملكة، مؤكدين أهمية تبادل اللقاءات بين الجانبين، واكتشاف المجالات والفرص المتاحة. ووفقاً لبيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، فإن حجم التبادل التجاري بين المملكة وإسبانيا بلغ خلال عام 2011 ما مجموعه 33.4 بليون ريال، وجاءت إسبانيا بالمرتبة ال11 في قائمة التبادل التجاري السعودي مع الدول الأخرى. مشروعات مشتركة بين البلدين تعد إسبانيا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للمملكة، إذ هناك 33 مشروعاً مشتركاً حالياً بين البلدين، (13 مشروعاً صناعياً، و20 مشروعاً متنوعاً)، تبلغ نسبة إسبانيا في المشاريع الصناعية 32 في المئة، ونسبة المملكة 43 في المئة، و25 في المئة لمستثمرين من دول أخرى، كما تبلغ نسبة الإسبان في المشاريع غير الصناعية 29 في المئة، و52 في المئة للسعوديين، و19 في المئة لمستثمرين من دول أخرى. وللدلالة على عمق العلاقات بين البلدين، نظّم مجلس الغرف السعودية في 18 شباط (فبراير) 2014، لقاءً لقطاعي الأعمال السعودي والإسباني، بحضور وزير الدولة الإسباني للتجارة خايمي غارسيا ليغاز والوفد المرافق له، ونائب رئيس مجلس الغرف السعودية فهد بن محمد الربيعة، ورئيس وأعضاء مجلس الأعمال السعودي – الإسباني، والسفير الإسباني لدى المملكة خواكين بيريث، تم فيه بحث استفادة قطاعي الأعمال السعودي والإسباني من الدعم الحكومي الكبير، لتعزيز شراكتهما في المجالات التجارية والاستثمارية، ونتيجة لذلك تضاعف حجم التبادل التجاري بين العامين 2006 و2013 للضعف تقريباً، ليبلغ نحو 34 بليون ريال. وتعد المملكة الشريك التجاري الثالث لإسبانيا، حيث تحتل المرتبة ال12 بين الدول المصدرة لإسبانيا من خارج دول الاتحاد الأوروبي. وعبّر الوفد عن استعداد إسبانيا للمشاركة في أعمال التنمية، خصوصاً أن الشركات الإسبانية تصنف من الشركات العالمية في مجالات الهندسة والبناء والدفاع وتقنية المعلومات وتحلية المياه والتجارة والصناعة والبنى التحتية للمستشفيات والطاقة المتجددة والخدمات العامة وغيرها، وطرح الوفد ما تزخر به إسبانيا من امتيازات محفزة للاستثمار، ابتداء من الاستقرار وارتفاع معدلات التنمية وتحسّن حركة الاقتصاد، وتوفّر العديد من الفرص الاستثمارية في مختلف المجالات، حيث تلقت إسبانيا في ذلك العام 1110 استثمارات خارجية من دول أجنبية، مما يعزز مكانتها كبلد جاذب للاستثمار. المركز الثقافي الإسلامي في مدريد.. دور فاعل في تعزيز التقارب نمت العلاقات السعودية - الاسبانية بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية وتطورت من خلال المشاريع العملاقة بين البلدين والمتمثلة في وجود أكثر من 400 شركة إسبانية تعمل في المملكة تقدم الخدمات في مجال التقنية وسكك الحديد في العاصمة الرياض وفي العاصمة المقدسة. وفي إطار اهتمام وحرص المملكة العربية السعودية على إعمار بيوت الله وخدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان وفي مناسبة تاريخية افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حينما كان أميراً لمنطقة الرياض آنذاك في أيلول (سبتمبر) عام 1992 وبحضور عاهل اسبانيا السابق الملك خوان كارلوس المركز الثقافي الإسلامي في العاصمة الإسبانية مدريد، والذى شيد على نفقة الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، وأصبح المركز اليوم صرحاً ثقافياً كبيراً وشاهداً حضارياً على عمق العلاقات الودية بين المملكة العربية السعودية وإسبانيا وعلى متانة التواصل الثقافي والحضاري بين الأمتين العربية والاسلامية من جهة، والأمة الإسبانية من جهة أخرى. وعن دعم التعاون الثقافي بين البلدين احتضن قصر المؤتمرات في العاصمة الإسبانية مدريد في أيار (مايو) 2005 أياماً ثقافية سعودية بعنوان «ألوان من المملكة العربية السعودية» اشتملت على عروض ثقافية وفنية متنوعة تعكس مدى أصالة الحضارة في شبة الجزيرة العربية. كما استهل البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الرياض الدولي للكتاب في الخامس من آذار (مارس) 2014 فعالياته بندوة جاءت بعنوان «العلاقات السعودية الإسبانية.. آفاق وتطلعات»، بمشاركة السفير الإسباني لدى المملكة خواكين بيريث توريبا، ومدير معهد الدراسات الدبلوماسية الدكتور عبدالكريم الدخيل، أبرزت اهتمام البلدين بشأن الكثير من القضايا العربية والإسلامية والعالمية، وأكدت أن البلدين تقفان الموقف نفسه منها وفي مقدمها القضية الفلسطينية، وأن مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان عزز من العلاقة بين البلدين ووثقها في عمل مشترك من خلال المركز .