طويت أزمة اليمين الدستورية في البرلمان التركي، وأدى نواب «حزب الشعب الجمهوري» المعارض القسم. ولكن النواب الاكراد بقوا على مقاطعتهم البرلمان، على رغم تصريحات (زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله) أوجلان يوم الجمعة الماضية. ومنذ البداية، كان واضحاً أن «حزب الشعب الجمهوري» أوقع نفسه في أزمة مفتعلة، وأن حل الازمة هو رهن تراجع رئيس الوزراء اردوغان وتقديمه تنازلات غير ممكنة التنفيذ أو تراجع «حزب الشعب الجمهوري» عن موقفه لعجزه عن إطالة الأزمة أكثر من ذلك. وهذا ما حدث. فمقاطعة البرلمان لوقت اطول كانت ستطيح حق نواب الحزب في النيابة بسبب تغيبهم عن جلسات البرلمان. وهذا ما لا يسعهم المغامرة به. لذا، انتهت الازمة بعد أن تلقى الحزب ضربة قوية. ولم تؤثر الازمة في سمعة أو شعبية الحكومة. وعودة «حزب الشعب» الى البرلمان مهمة لترسيخ طابعه التعددي ومن أجل التحضير للدستور الجديد. ولا يستخف بأهمية عودة النواب الاكراد الى البرلمان في اقرب فرصة. ولكن يبدو أن الحكومة تجاهلتهم وتركتهم وشأنهم، وهو موقف زاد من عناد واصرار النواب الاكراد على موقفهم المقاطع، خصوصاً بعد انتهاء أزمة حزب الشعب الجمهوري. ويبدو أن المواجهة اليوم تدور بين النواب الاكراد وأردوغان. لكن، في مقابل المقاطعة هذه، دعا أوجلان النواب الاكراد الى عدم مقاطعة البرلمان وأداء اليمين الدستورية. ويبدو للوهلة الاولى أن نواب الحزب لم يأخذوا دعوة اوجلان في الاعتبار، فهل يسعهم أن يبقوا على موقفهم هذا لفترة أطول؟ وقال أوجلان: «لا أعلم إن كانت هذه الازمة ستذلل أم ستطول، ولكن المهم هو أن يبدأ النواب مفاوضات مع الدولة أو الحكومة لتوثيق مطالبهم في اتفاق مكتوب يتفق عليها مع الحكومة وتتضمن مطالب مثل خفض العتبة البرلمانية، وتغيير عدد من القوانين من أجل الافراج عن زملائهم النواب المسجونين وإعادة انتخاب النائب خطيب دجلة الذي حرم من حقه النيابي ظلماً. وحريّ بالنواب ألا يطالبوا بحل هذه القضايا فوراً وأن يمهلوا الحكومة مهلة زمنية. وتنتظر رئيس البرلمان الجديد مسؤوليات كبيرة. فهو أعلن أن الملف الكردي سيتصدر أولوية أجندة الدورة البرلمانية الجديدة». وتوحي تصريحات أوجلان أن النواب الاكراد لا يعارضون ما قاله، وينتظرون التفاوض مع الحكومة ورئيس البرلمان. والحكومة مدعوة الى معالجة قضية النواب الاكراد على غرار ما ذللت مشكلة مقاطعة «حزب الشعب الجمهوري». لكن اصرار النواب الاكراد على ابرام اتفاق خطي أو صوغ وثيقة خطية قد يجعل هذا الامر صعباً على الحكومة، في وقت دار كلام بعض النواب الاكراد على احتمال استئناف العنف في حال فشل التوصل الى اتفاق مكتوب مع الحكومة. ولكن العودة الى نص تصريحات أوجلان الكامل يلقي الضوء على مسائل مهمة. فهو يقول: «اليوم ليست ثمة هدنة أو وقف لاطلاق النار أو انهاء لوقف اطلاق النار، لاننا أوقفنا حرب الشعب». وانتقد نوابه الاكراد قائلاً «إن هؤلاء لم يقرأوا خريطة الطريق، حتى الدولة التركية عاندت وأرجأت الاطلاع عليها، لكنها قرأتها وفهمتها ولو بعد عامين من التعنت. ولكن نواب حزب السلام الديموقراطي لم يقرأوها ولم يعملوا بها». ويتحدث أوجلان عن تفاهم توصل اليه مع الدولة من أجل انشاء مجلس للسلام يتولى عملية المصالحة وحل القضية الكردية. ويفترض أن يشارك في المجلس نواب «حزب السلام والديمقراطية» الاكراد. وعليه، فإن الدور الذي يراه أوجلان للنواب هو داخل البرلمان وليس خارجه. وكلامه عن التوصل الى اتفاق مع الدولة يدحض تهديد النواب باستئناف العنف. وحريّ بالحكومة أن تتفاوض مع النواب الاكراد، وبالنواب الاكراد أن يفهموا ما يقوله زعيمهم وأن يتخلوا عن سياسة التهديد بالعودة الى السلاح والعنف في كل أزمة. * محلل، «راديكال» التركية، 12/7/2011، اعداد يوسف الشريف