في مقال لكاتب هذه السطور بعنوان: «لطيف رشيد ومنظمة الفاو: رجل مناسب في مكان مناسب»، نشر قبل انعقاد مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة الدولية الاخير في روما ببضعة ايام، وفي سياق التوكيد على أهمية ترشحه ممثلاً عن العراق لرئاسة المنظمة الدولية، اشرت الى اعلان الجامعة العربية دعمها مرشح العراق في هذه المعركة الانتخابية. وهذا ما شكّل حدثاً يستحق بحد ذاته التوقف عنده وعند إيجابياته. لكن للأسف سرعان ما تبدد كل ذلك التفاؤل والاستبشار وتكسر على صخرة الطبع الذي يغلب التطبع في الذهنية القومية العروبية، التي ما زالت، للأسف، متحكمة بهياكل ومؤسسات وتوجهات النظام الرسمي العربي المأزوم، لا سيما الجامعة العربية، درة تاج هذا النظام المتهالك. فليس سراً ان الجامعة غدت، ومنذ زمن، لزوم ما لا يلزم، بخاصة مع مواقفها المخجلة من المجازر والقمع الدموي الذي تجابه به الانتفاضات الشعبية العربية في غير بلد من اعضائها، من سورية الى اليمن. فالمجموعة العربية لم تكتف بنكث وعودها في التصويت الجماعي للمرشح العراقي بل لعبت دوراً سلبياً حتى في دفع دول وكتل أخرى لعدم التصويت له، ما كشف عن نية مبيتة لإجهاض حظوظ الرجل في الفوز التي لم تكن ضعيفة بكل الاحوال، لا موضوعياً ولا ذاتياً. لكنها العقلية اياها المتوجسة من الآخر، لا سيما الآخر الكردي الذي لطالما مثّل هاجساً مرضياً في لاوعي الآيديولوجيات والنزعات العروبية الحاكمة. وهذا ما أوصل العالم العربي الى ما هو عليه الآن وجلب الويلات والمصائب على مختلف شعوب المنطقة وليس فقط الشعوب العربية. ألم يتعظ المحرضون في مؤتمر الفاو في روما على المرشح الكردي العراقي من ممثلي الدول العربية بما آل اليه مصير السودان مع مطلع هذا العام، حيث صوت غالبية شعب جنوب السودان لصالح الاستقلال عن الدولة السودانية في حدث تاريخي هو ثورة سبقت ثورتي تونس ومصر، ثورة ليس فقط على الاستبداد السلطوي العربي المكين بل على مجمل الصيغة الدمجية الاعتباطية للدولة العربية الفاشلة لما بعد الاستقلالات. أليست مثل هذه المواقف والممارسات دفعاً صريحاً للأكراد للبحث عن بدائل لخيارهم الاتحادي مع العرب وممارسة حقهم في تقرير المصير، طالما ان الثقافة البعثية الاحادية والاقصائية متغلغلة ومتمكنة الى هذا الحد، أقله في الوسط الرسمي العربي كي لا نشير الى الوسط الشعبي؟ * كاتب كردي