منذ سنوات سبع لم يعش السوريون فرح الأعياد. منذ سنوات وأعيادهم مقتصرة على المناسك والطقوس والصلوات في فضاء من الحزن لما آلت إليه أوضاعهم جميعاً، مسلمون ومسيحيون وما بينهم من طوائف ومذاهب. غير أن الفصح الغربي هذا العام جاء على غير ما اعتاده خلال السنوات السبع، جاء بكل الألق والفرح حيث الهدوء والأمان في ربوع دمشق، بعد زمن من الحرب وتداعياتها التي أرّقت الناس وجعلتهم بمنأى عن الأمان والطمأنينة والسلام. حلّ فصح أول نيسان (أبريل) مشرقاً فأشرقت معه أرواح الناس الذين خرجوا يلاقون العيد بكثير من الأمل أن يدوم هذا الأمان على البلاد كلها، وليس على العاصمة فقط. فحين تسير بباب توما أو القصاع، في المهاجرين أو المالكي، في جرمانا والدويلعة والطبالة تشعر بهذا الأمان يغمر الخارجين للتو من صلواتهم، مثلما تلمسه بثياب الأطفال المحتفلين وأهاليهم بأحد الشعانين في آن معاً، فالفرح الحقيقي الآمن يشعُّ من العيون والخطوات الواثقة بفرحها... أمّا حين يغدو الفرح حلماً بعيداً، أو أنه فرح ممزوج بالخوف والحذر، حينها يكون فرحاً قلِقاً مشوباً بالرعب من أية مفاجأة كالتي طاولت أحياء العاصمة في الشهور الأخيرة، ما جعل الأطفال معزولين في بيوتهم بعيداً حتى من مدارسهم مثلما كانوا معزولين عن طفولتهم. وها هي كاتيا الطفلة ذات الأعوام العشرة تتمايل كفراشة حالمة وهي التي اشتاقت للشارع، للمدرسة والأصدقاء كما تقول. أمّا والدتها فقد عقّبت مضيفة: «لم نشعر طوال سنوات الحرب بالفرح الحقيقي أو الأمان والاستقرار. صحيح أنه أول عيد يمر ونحن بأمان من مفاجأة أربكت حياتنا وبيوتنا سابقاً، لكن طالما هناك حرب في سورية، يبقى الفرح ناقصاً والعيد مشوّهاً». منير بادرنا بالقول: «على رغم الفرح الذي تلمسونه، لكن تبقى في القلب غصة لأن الحرب لم تنتهِ بعد، ولا بدّ أنها تغتال عدداً من السوريين في مكان آخر من البلاد اليوم، ولهذا لن يعمّ الأمان والسلام وفرح أو بهجة الأعياد ما لم تحطُّ تلك الحرب أوزارها، ويعود الناس إلى بيوتهم وأراضيهم كما كُنّا سابقاً، وكذلك المهاجرون الذين غادروا بلدهم تحت وطأة الموت والدمار». ربما ما قاله منير منذ نحو أسبوعين كان يحمل في طياته إنذاراً خفيّاً، فقبل الفصح الشرقي بيومين (6 الجاري) عاد التوتر والخوف إلى مناطق دمشق، فتركها في عطلة نهاية الأسبوع وعيد الفصح خاوية إلاّ من مُضطّر للخروج، فقد عادت الحرب بثقلها ليرتفع عدد قرابينها أيام العطل والأعياد. نعم، لقد أقفرت الشوارع صبيحة العيد إلاّ من المُصلين وبعض الذين كانوا يحلمون بعيد هادئ يحمل لأطفالهم الفرح الحقيقي والأمان العميق، فيكون للعيد بهجة كالتي حلّت في الأول من نيسان لكنها للأسف لم تعش طويلاً. حنان كانت تُحضّر لعيد خالٍ من الخوف، عيد يعبق بالفرح الحقيقي، مثلما حضّرت الحلوى وثياب الأطفال الذين لم تستطع الخروج بهم كما وعدتهم. قالت إنها حزينة على رغم العيد، حزينة على من لقوا حتفهم غيلة وغدراً وهم الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حرب لا تزال مشتعلة تأبى الخمود والانطفاء، لأن المصالح والغايات فيها أسمى من الإنسان وأغلى، «لذا لا يمكننا الفرح كما ينبغي حين نغدو أرقاماً تتناقلها وسائل الإعلام ومراكز حقوق الإنسان، في تخلٍّ سافر عن الإنسانية الحقيقية وشرائعها التي نادى بها السيد المسيح». وتابعت: «ستبقى الأعياد بعيدة من الفرح طالما هناك موت ودمار في سورية، وطالما لم تنطفئ نيران تلك الحرب المجنونة». أمّا نبيل فلقد رأى أن الأمان في كل شبر من سورية بات حلماً عصيّاً على أبنائها منذ سنوات سبع ولا يزال، «وما الأمان الذي عشناه قبل أسبوع سوى وهم أفقنا منه ونحن نستعد للعيد، فاستعدنا ذكريات أعياد سابقة لم نشعر ببهجتها لأننا بقينا رهائن للخوف والقلق من جهة، ولأنه لا أعياد في زمن الحرب والموت والخراب من جهة أهم، فكيف نحتفل بالعيد وهناك أناس يموتون كل يوم بلا ذنب اقترفوه سوى أنهم سوريون يرغبون بالسلام والأمان». لقد دُقَّت أجراس الكنائس ليس فقط احتفالاً بالعيد، وإنما حزناً على أولئك الأبرياء الذين يموتون بلا سبب أو مبرر. واقتصر العيد على الصلوات والدعاء أن يكون الأمان العابر أماناً دائماً ليس في دمشق فقط، وإنما في سورية كلها، وأن تنتهي هذه الحرب التي طحنت رحاها مقومات الحياة وأفراحها مثلما طحنت معها آمال الناس وأحلامهم، التي باتت واهية مثلما أن سلام اليوم واهٍ وغير حقيقي. لقد حلّ الفصح على سورية وأهلها مترنحاً ما بين أمانٍ حمل الناس إلى الفرح في مستهل نيسان، وما بين رهبة وقلق وخوف كان عنوان الحياة في الأيام الأخيرة. كل ما نتمنى ونأمل في أيام الأعياد أن يعمَّ السلام والأمان حياة السوريين ليكون للأعياد بهجة وفرحاً مُغايراً لما عهدناه في سنواتنا العجاف السبع.